تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والأظهر أن السبب هو غضه لنفسه وتواضعه رحمه الله، أو هو درء المفاسد والفتن التي يتعرض لها العلماء المجتهدون من قبل الغوغاء من العامة وأنصاف المتعلمين بنسبتهم إلى البدعة والزيغ، والتي قد يؤججها بعض أقرانهم؛ كالذي حدث لأخيه التقي الآخر ابن تيمية؛ حيث مات سجيناً؛ بسبب اجتهاداته، رحمة الله على الجميع.

ولكن ما ذكره العراقي رحمه الله يؤكد ما ذُكر من مفاسد شروط الواقفين على مذهب فقهي معين، وأنها مستحضرة عند أهل هذه العصور.

ومثل هذه الشروط في الحكم: اعتبار الإقليمية أو العرقية والقبلية في هذه الأوقاف؛ دون معان صحيحة وأغراض معتبرة لهذا الشرط.

ولا يعني هذا أن لا تكون هناك مدارس على مذهب معين، ولا أن يُمنع وقف شيء على هذه المدرسة، ولكن المحذور منع التعلم أو التعليم في هذه المدرسة إلا أن يكون من المعدودين من أتباع هذا المذهب المعين.

ولا ريب أنه لا نصر للأمة على أعدائها، ولا تمكين: حتى يكون الدين كله لله وحده.

الوقف على مباح، أو ما لا فائدة فيه للواقف:

ذهب جمهور العلماء إلى جواز الوقف على المباح، انظر: "البحر الرائق" (5/ 206)، و"الذخيرة" (6/ 312)، و"أسنى المطالب" (2/ 457).

واستدلوا لذلك بأن صرف المال في المباح مباح، والوقف عليه مثله، وأن اشتراطَ الواقفِ أمراً مباحاً، هو كالجعالة على مباح.

وذهب الحنابلة إلى أنه لا يصح إلا على قربة؛ فلا يصح على مباح؛ كما في "الإنصاف" (7/ 13) للمرداوي، و"كشاف القناع" (4/ 246) للبهوتي.

وجاء في كلام مالك ما يوافق قول أحمد: قال القرافي في "الذخيرة" (6/ 312): عن الوقف على مباح ( .. وكرهه مالك؛ لأن الوقف باب معروف؛ فلا يعمل غير معروف).

والقول بعدم شرعية الوقف على مباح وجه عند الشافعية؛ كما في "الأشباه والنظائر" (1/ 49) للسيوطي.

ونصر هذا القول ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (31/ 12و46، 47)، واستدل وعلل له بما يلي:

1. قوله صلى الله عليه وسلم: "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مائة شرط , كتاب الله أحق , وشرط الله أوثق".

2. أن اشتراط المباح لا منفعة فيه , لا له ولا للموقوف عليه ; فإنه في نفسه لا ينتفع إلا بالإعانة على البر والتقوى. وأما بذل المال في مباح فهذا إذا بذله في حياته مثل الابتياع، والاستئجار: جاز ; لأنه ينتفع بتناول المباحات في حياته. وأما الواقف والموصي فإنهما لا ينتفعان بما يفعل الموصى له والموقوف عليه من المباحات في الدنيا.

3. إذا كان الشارع قد قال: "لا سبق إلا في خف أو حافر أو نصل" , فلم يجوِّز بالجعل شيئا لا يستعان به على الجهاد. وإن كان مباحاً , وقد يكون فيه منفعة , كما في المصارعة والمسابقة على الأقدام , فكيف يُبذل العوض المؤبد في عمل لا منفعة فيه , لا سيما والوقف محبس مؤبد؛ فكيف يُحبس المال دائماً مؤبداً على عمل لا يَنتفع به هو ولا ينتفع به العامل , فيكون في ذلك ضرر على الورثة وسائر الآدميين بحبس المال عليهم بلا منفعة حصلت لأحد.

4. أن الوقف على المباح يشبه ما كانت الجاهلية تفعله من الأحباس المنبه عليها في سورتي الأنعام والمائدة.

يعني بذلك قوله تعالى: "وهذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها" الآية. وقوله تعالى: "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب" الآية.

5. القياس على النذر؛ فالنذر لا يكون إلا على قربة، وهذا قول جماهير العلماء.

هذه أقوال وأدلة العلماء، والمسألة كما ترى محتملة، ودليل المجيزين لا يستقيم إلا بالإجابة عن أدلة المانعين؛ إذْ إن المجيزين يستدلون بالأصل في العقود والإنشاءات، والمانعون يستدلون بأدلة تقتضي أن الوقف في الشريعة مما يُراد به القُرَب؛ فلا محل فيها لمباح مستوي الطرفين.

والأقرب هو عدم تصحيح الوقف على مباح لما مضى من الأدلة والتعليلات، ومما يرجح هذا القول وجه آخر، وهو أن يقال:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير