تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال تعالى: (كُلمَا أُلقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلهُمْ خَزَنَتُهَا أَلمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلي قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلنَا مَا نَزَّل اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ كَبِيرٍ وَقَالُوا لوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السَّعِيرِ) الملك.

فهؤلاء الكفار لولا أن الحجة بلغتهم ما اعترفوا بذنبهم أو أقروا بحمقهم، فأعراضهم عن الرسالة بالكلية أدي إلي كفرهم وإن جهلوا محتواها ولم يفهموا معناها، ولذلك وقعوا في كفر الجهل والتكذيب، وهو أول أنواع الكفر بالله، فتجد العبد يعرض عن الله عند أول سماعه للدليل، ويكذب بالحق حتى لو ورد في التنزيل، يغلق قلبه وعقله ويوقف نظره وفكره، روي البخاري من حديث ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلي كِسْرَي مَعَ عَبْد ِاللهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلي عَظِيمِ البَحْرَيْنِ فَدَفَعَهُ عَظِيمُ البَحْرَيْنِ إِلي كِسْرَي فَلمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ، مزقه دون تفكر أو سؤال أو نظر واستدلال، وقد ورد في الحديث أن عبد الله بن عباس قال: فَدَعَا عَليْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُل مُمَزَّقٍ.

فالإنسان مسئول عن السبب في جهله، فإن كان الجهل من كسبه وفعله، وإعراضه وكبره، فهو محاسب على كل معصية وقع فيها بجهله، سواء كانت المخالفة مخالفة عظيمة تؤدي إلي الخلود في النار، أو كانت المخالفة كبيرة تحت مشيئة الواحد الجبار، إن شاء غفرها لعبده وإن شاء عذبه بذنبه.

أما إذا انقطعت به الأسباب وانسدت في وجهه الأبواب، ولم يتمكن من معرفة ما نزل في الكتاب بعد الطلب والبحث والسؤال ولم يعص الله فيما قال: (فَاسْأَلوا أَهْل الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلمُونَ) (النحل:43)، فهو باتفاق معذور بجهله لا يؤاخذ على ذنبه لأن الجهل ليس من كسبه، بل هو من تقدير الله وفعله، وقد قال سبحانه وتعالي: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حتى نَبْعَثَ رَسُولا).

فلو ضربنا مثلا لذلك وفرضنا أن رجلا من المسلمين لقلة علمه وقع في معصية بجهله فاحتار في نفسه، وتساءل أهي معصية لله أم لا، فعزم الأمر على أن يسأل أهل الذكر، حتى ولو كانوا على مسافة بعيدة تتطلب شد الرحال، وفي الطريق دهمته سيارة ومات في الحال، مات هذا الشخص على المعصية بجهله، أيقول عاقل إنه مؤاخذ على ذنبه قبل علمه؟ فالموت من تقدير الله وفعله، والجهل الذي وقع فيه هذا الشخص ليس من فعله وكسبه، فنيته التي مات عليها أن يطيع الله إذا علم الحكم الذي ورد في كتاب الله، وقد سمع عُمرُ بْنُ الخَطَّابِ رَضِي الله عَنْه رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ يَقُولُ: (إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لكُل امْرِئٍ مَا نَوَي).

واعلم عبد الله أنه لا أحد أحب إليه العذر من الله، فمن حديث عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ أن رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ قال: (ليْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِليْهِ المَدْحُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَل مِنْ أَجْل ذَلكَ مَدَحَ نَفْسَهُ وَليْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ مِنْ أَجْل ذَلكَ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ وَليْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِليْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ مِنْ أَجْل ذَلكَ أَنْزَل الكِتَابَ وَأَرْسَل الرُّسُل)، وفي رواية البخاري من حديث المُغِيرَةِ: (وَلا أَحَدَ أَحَبُّ إِليْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ وَمِنْ أَجْل ذَلكَ بَعَثَ المُبَشِّرِينَ وَالمُنْذِرِينَ).

فالجاهل من المسلمين بعد الطلب والسؤال، إن لم يصل إلي العلم بالحكم في مسألة ما، فهو معذور بجهله في هذه المسألة، وإن كان محاسبا على غيرها مما ألم بحكمها، وخلاصة القول في مسألة العذر بالجهل أن الجاهل معذور بجهله إن لم يكن الجهل من كسبه وفعله، وذلك من كمال عدله وفضله سبحانه وتعالي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير