تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

واعلم عبد الله أن كمال العلم بالله يكمن في معرفة خمسة أشياء: أولها معرفة الخالق تبارك وتعالي وهو العلم بتوحيد الربوبية وثانيها معرفة أسمائه وصفاته وهو العلم بتوحيد الأسماء والصفات، وثالثها معرفة الطريق الموصل إلي الله وهو العلم بتوحيد العبودية، ورابعها معرفة عوائق الطريق وآفاته، وهو الشرك بجميع أنواعه وتقسيماته وخطوات الشيطان وشبهاته، وخامسها معرفة النفس وعيبوبها، والصبر على مداواتها من آفاتها، والاستعانة بالله في حفظها على منهج العبودية والتوحيد.

ذكر العلامة ابن القيم أن حياة القلب وصحتة لا تحصل إلا بأن يكون مدركا للحق مريدا له مؤثرا له على غيره، وذلك لأن القلب فيه قوتان: قوة العلم والتميز، وقوة الإرادة والحب، فكمال القلب وصلاحه في استعمال هاتين القوتين فيما ينفعه ويعود عليه بالسعادة في الدنيا والآخرة، فيستعمل قوة العلم في إدراك الحق ومعرفتة والتمييز بينه وبين الباطل، ويستعمل قوة الإرادة والحب في طلب الحق ومحبتة وإيثاره على الباطل، فمن لا يعرف الحق كان من أهل الضلال، ومن عرفة وآثر غيره عليه فهو مغضوب عليه، ومن عرفة واتبعه فقد أنعم الله عليه، وقد أمرنا الله سبحانه وتعالي أن نسأله في صلاتنا أن يهديَنا صراطه المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين.

ولهذا كان النصارى أخص بالضلال لأنهم أمة جهل، وكان اليهود أخص بالغضب لأنهم أمة عناد، وهذه الأمة أطاعت ربها ووحدت معبودها كما قال الله عز وجل: (وَمَنْ يُطِعْ اللهَ وَالرَّسُول فَأُوْلئِكَ مَعَ الذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَليْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالحِينَ وَحَسُنَ أُوْلئِكَ رَفِيقًا) النساء.

وهنا مسألة طالما اختلف فيها الناس، وتسبب الجهل بها في الخلط والتخبط والالتباس، إنها مسألة العذر بالجهل، فهل الجاهل معذور بجهله أم أنه مسئول على فعله؟ والناس في هذه المسألة طرفان، فمن قائل معذور ومن قائل مسئول، قول يقول لا يعذر الإنسان في ارتكاب العصيان عن جهل، وقول يقول يعذر الإنسان وإن كان معرضا عن العلم ومعرفة الحكم، ومذهب الحق في هذا الموضوع هو مذهب السلف والوسطية، المذهب الذي يجمع بين الأدلة القرآنية والنبوية، فالحق سبحانه وتعالي لا يعذب الناس إلا بعد إنذارهم وإعلامهم برسالة السماء، كما قال تعالى في سورة الإسراء: (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) الإسراء /15.

فلا يعذب الله أحدا إلا بعد بلوغ الرسالة، وإعراضه عن الهداية إلي الضلالة، لئلا يكون له حجة على الله في نفي العدالة، فقال تعالى: (وَقَالُوا لوْلا يَأْتِينَا بِآيَةٍ مِنْ رَبِّهِ أَوَلمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ مَا فِي الصُّحُفِ الأُولي وَلوْ أَنَّا أَهْلكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلهِ لقَالُوا رَبَّنَا لوْلا أَرْسَلتَ إِليْنَا رَسُولا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِنْ قَبْل أَنْ نَذِل وَنَخْزَي قُل كُلٌّ مُتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُوا فَسَتَعْلمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنْ اهْتَدَى).

فإن أرسل الله إلي الناس رسالته وأدركوا بعقولهم حجته، ثم أعرضوا عنها وتملصوا منها ووقعوا في الجهل بتكذيبهم وإعراضهم، كان كفرهم كفر جهل وتكذيب، كما ثبت عن نبينا الحبيب في الحديث الذي رواه الإمام مسلم بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُول اللهِ صَلي الله عَليْهِ وَسَلمَ أَنَّهُ قَال: (وَالذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلمْ يُؤْمِنْ بِالذِي أُرْسِلتُ بِهِ إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)، وقال سبحانه وتعالي: (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُل أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ حتى إِذَا جَاءُوا قَال أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ وَوَقَعَ القَوْلُ عَليْهِمْ بِمَا ظَلمُوا فَهُمْ لا يَنطِقُونَ)، وقال جل جلاله: (بَل كَذَّبُوا بِمَا لمْ يُحِيطُوا بِعِلمِهِ وَلمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ كَذَلكَ كَذَّبَ الذِينَ مِنْ قَبْلهِمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالمِينَ).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير