تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لهُ فِيهَا بِالغُدُوِّ وَالآصَال) (النور:36) وقال أيضا: (وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدً) (الجن:18)، ولكنك تري أنهم يتوجهون بقلوبهم لتعظيم الضريح ويطوفون بقبره، ويدعون الناس إلي تقديسه وحبه بالكرامات المزعومة والأحلام المذمومة، التي هي من وحي الشيطان أو اختلاق بني الإنسان، وكل هذا كما تعلمون ينافي الإخلاص والتوحيد، ويغضب رب العبيد ..

فتحرى عبد الله في قولك وفعلك التوحيد، ولا تقل: توكلت على الله وعليك لأنك تشرك غيره معه في التوكل، ولكن قل: توكلت على الله ثم عليك، ولا تقل: مالي إلا الله وأنت، ولكن قل: مالي إلا الله ثم أنت، فهذا هو الإخلاص والتوحيد، ولا تقل: ما شاء الله وشئت، ولكن قل: ما شاء الله وحده، ولا تقل لأي شخص أيا كان: الله لي في السماء وأنت لي في الأرض أو هذا من فضل الله ومنك، ولكن قل: هذا فضل الله وجزاك الله خيرا، واطلب المدد من الله، ولا تقل: مدد يا بدوي أو شي الله يا عدوي، ولا تشرك بالله فتفعل كما يفعل الجاهلون، إياك أن تعلق في رقبتك خرزة أو تميمة أو حجابا، أو نابا أو عين الذئاب، أو تعلق برقبة الحيوان عظمة، تظن أنك تدفع عنه بهذا الشرك مكروها، أو تتقي مصيبة عظموها، فطهر قلبك بالتوحيد، واجعل نفسك من العبيد، الذين أخلصوا لربهم واستجابوا لله لما أمرهم أن يعبدوه مخلصين له الدين:

(هُوَ الحَيُّ لا إِلهَ إِلا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلصِينَ لهُ الدِّينَ الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمِينَ) (غافر:65) وقل عبد الله: (إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلي صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِلةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ المُشْرِكِينَ قُل إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالمِينَ لا شَرِيكَ لهُ وَبِذَلكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ المُسْلمِينَ) (الأنعام:163:161).

فالركن الأول: الذي بني عليه الإخلاص لله هو توحيد العبادة له، فالمخلص لا يشبه المخلوق بالخالق أو المملوك بالمالك، ولكنه يفرد الله بالتعظيم الدعاء، والحب الخوف والرجاء، فهو عبد لمعبود واحد لا يشرك به شيئا.

أما الركن الثاني: الذي بني عليه الإخلاص فهو توحيد الربوبية لله، فلا يمكن لعبد أن ينال درجة الإخلاص إلا إذا خلع عن نفسه رداء الربوبية واكتسي بثوب العبودية، فعلم واعتقد أنه عبد في ملك سيده مستخلف في أرضه أمين على ملكه، قد ابتلاه فيما أعطاه، وامتحنه فيما خوله واسترعاه، أيرد الملك إلي المالك؟ أم ينسب لنفسه أوصاف الخالق؟ يتكبر على الخلق بنعم الله، ويتعالي على العباد بما منحه وأعطاه، كما فعل فرعون وهامان ومن قبلهما النمرود بن كنعان، وفي قارون الذي ظغي وبغي، أبلغ مثل وعظة، فقد استكبر على قومه بأمواله الباهظة، ولم تؤثر فيه الدعوة أو الموعظة، فلم يفهم أن المال مال الله، وأن الحياة ابتلاء من الله:

(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَي فَبَغَي عَليْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ الكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لتَنُوءُ بِالعُصْبَةِ أُولي القُوَّةِ إِذْ قَال لهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنْ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللهُ إِليْكَ وَلا تَبْغِ الفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ المُفْسِدِينَ)، فماذا قال؟ (قَال إِنَّمَا أُوتِيتُهُ على عِلمٍ عِندِي) .. فنسب الفضل إلي نفسه، وتناسي فضل ربه، وتناسي أنه أمين في ملكه، مبتلي بالمال إلي لوقت معلوم، وبقاؤه على هذا الحال لا يدوم، كما قال سبحانه وتعالي: (أَوَلمْ يَعْلمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلكَ مِنْ قَبْلهِ مِنْ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمْ المُجْرِمُونَ) فلم يتذكر ولم يعبأ، وخرج متزينا يهزأ بدين الله، وكأن الله ما أعطاه شيئا من نعمه (فَخَرَجَ على قَوْمِهِ فِي زِينَتِه).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير