تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

رغب في مدحهم وثنائهم ليعلم الناس عزه وسلطانه، ويعظموا من قدره وشانه، وصار فتنه للناس حتى تمنوا مكانه (قَال الذِينَ يُرِيدُونَ الحَيَاةَ الدُّنيَا يَا ليْتَ لنَا مِثْل مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)، فقال المخلصون العابدون، المؤمنون بأنهم في الأرض مستخلفون، وأن الملك لسيدهم وليس لقارون: (وَيْلكُمْ ثَوَابُ اللهِ خَيْرٌ لمَنْ آمَنَ وَعَمِل صَالحًا وَلا يُلقَّاهَا إِلا الصَّابِرُون).

فصدر حكم الله على قارون وحكم ببغيه وعصيانه، وظلمه وطغيانه، وأن يكون عبرة لنظرائه وأقرانه، فشق الأرض تحت أقدامه فانطبقت عليه، وجاءه ملك الموت يعيده فقيرا لعزة الله وسلطانه: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأرْضَ فَمَا كَانَ لهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مِنْ المُنْتَصِرِينَ) هذا جزاء المستكبرين الظالمين، ليعود الناس إلي التوحيد، وإلي فطرة المخلصين من العبيد، الذين لا ينازعون الله في ملكه، أو يطمعون في شيء من حقه: (وَأَصْبَحَ الذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لوْلا أَنْ مَنَّ اللهُ عَليْنَا لخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلحُ الكَافِرُونَ) (القصص:82) فأدركوا عند ذلك أن الله هو المالك وأنه سبحانه وتعالي هو الخالق الرازق فقالوا مقرين بعد أن كانوا في الحياة راغبين:

(لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون) (القصص:82) وكأنهم يقولون: لولا أن من الله علينا بفقرنا لخسف بنا، فأصبح الفقر نعمة ومنة، والرضا بالمقسوم حكمة وفطنة، فبئس المال الذي يجعل صاحبه في هذا الحال، فإياك إياك مهما منحك الله وأعطاك، إياك من العلو والاستكبار لأن الله هو الملك الجبار: (تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا للذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الارْضِ وَلا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ للمُتَّقِينَ) (القصص: 83).

واعلم أن الغني لا يكرمه الله، إلا إذا شكر ربه شكر الزاهدين، وصبر على إغراء المال ومقاومته صبر الموقنين الموحدين، وعاد فقيراً بماله إلي ربه، ينسب الملك والفضل لرب العالمين، فإن الله أعطي المال والنبوة لأبي الأنبياء وإمام الحنفاء إبراهيم، وأعطي الملك والسلطان لداود وسليمان عليهم الصلاة والسلام أجمعين، فكانوا في ملكهم موحدين عابدين، مخلصين زاهدين، وكانوا أمناء في الأرض مستخلفين، فقال عن سليمان عليه السلام: (وَوَهَبْنَا لدَاوُودَ سُليْمَانَ نِعْمَ العَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص:30) فأنعم به من عبد على الرغم من كونه كان قويا غنيا، وملكا نبيا، لديه الدنيا بأسرها، وبهجةُ الحياة بأنواعها، فانظر إلي قول سليمان وتوحيده لرب العالمين، عندما رأي عرش بلقيس منقولا من اليمن إلي فلسطين، ومستقرا بين يديه بقدرة الله:

(قَال هَذَا مِنْ فَضْل رَبِّي) (النمل:40) فالفضل ليس لي ولا لجندي، وإنما هو فضل ربي، وقد استرعاني في ملكه واستخلفني (ليَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) (النمل:40) فهو المنفرد بالتوحيد في الغني، لا يساميه ولا يساويه أحد من خلقه، فلا غني يرقي إلي غناه، ولا على يسموا إلي علاه (هل تعلم له سميا) (مريم:65).

وهذا نبي الله داود أعطاه الله الملك، فأطاع فيه ربه ومالكه، وأظهر فقره موحدا خالقه وقال تعالى عن داود ? (وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الايْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص:20:17) (وَإِنَّ لهُ عِنْدَنَا لزُلفي وَحُسْنَ مَآبٍ) (ص:25) وهذا إبراهيم ? أسلم لله وأخلص له، وخضع لله محبا له معظما إياه، في كل ما منحه وأعطاه، من مال وجاه، ولما تعلق قلبه بولده الذي تمناه، وعلمه ورباه، ابتلاه الحق بذبح ولده، ليكون خالصا بحبه لربه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير