ولهذا ومثله أدخل مالك حديث طنفسة عقيل ليوضح أن وقت الجمعة وقت الظهر لأنها مع قصر حيطانهم وعرض الطنفسة لا يغشاها الظل إلا وقد فاء الفيء وتمكن الوقت وبان في الأرض دلوك الشمس
وعلى هذا جماعة فقهاء الأمصار الذين تدور الفتوى عليهم كلهم يقول إن الجمعة لا تصلى إلا بعد الزوال
إلا أن أحمد بن حنبل قال من صلى قبل الزوال لم أعبه
قال أبو بكر بن أثرم قلت لأحمد بن حنبل يا أبا عبد الله ما ترى في صلاة الجمعة قبل الزوال فقال فيها من الاختلاف ما علمت
ثم ذكر ما ذكرنا من الآثار عن أبي بكر وعمر وبن مسعود وجابر وسهل بن سعد وأنس
وعن مجاهد أنها صلاة عيد
الاستذكار ج:1 ص:55
وهي آثار كلها ليست بالقوية ولا نقلها الأئمة
ومن جهة النظر لما كانت الجمعة تمنع من الظهر دون غيرها من الصلوات - دل على أن وقتها وقت الظهر
وقد أجمع المسلمون على أن من صلاها وقت الظهر فقد صلاها في وقتها
فدل ذلك على أنها ليست كصلاة العيد لأن العيد لا تصلى بعد الزوال
حدثنا أحمد بن عبد الله قال حدثنا الحسن بن إسماعيل قال حدثنا عبد الملك بن بحر قال حدثنا محمد بن إسماعيل الصايغ قال حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي إسحاق قال ((صليت خلف علي بن أبي طالب الجمعة بعد ما زالت الشمس))
قال سنيد حدثنا أبو معاوية عن إسماعيل بن سبع عن أبي رزين قال ((صليت خلف علي بن أبي طالب الجمعة حين زالت الشمس))
وعلى هذا مذهب الفقهاء كلهم لا تجوز الجمعة عندهم ولا الخطبة لها إلا بعد الزوال
إلا أنهم اختلفوا في سعة وقتها وآخره
فروى بن القاسم عن مالك قال وقت الجمعة وقت الظهر لا تجب إلا بعد الزوال وتصلى إلى غروب الشمس
قال بن القاسم إن صلى من الجمعة ركعة ثم غربت الشمس صلى الركعة الأخرى بعد المغيب وكانت جمعة
وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والحسن بن حي وقت الجمعة وقت الظهر فإن فات وقت الظهر بدخول وقت العصر لم تصل الجمعة
وقال أبو حنيفة وأصحابه إن دخل وقت العصر وقد بقي من الجمعة سجدة أو قعدة فسدت الجمعة ويستقبل الظهر
وقال الشافعي إذا خرج الوقت قبل أن يسلم أتمها ظهرا يعني إذا زاد الظل عن المثل على ما قدمناه من قوله وأصله في ذلك
وهو قول عبد الملك بن عبد العزيز الماجشون
وأما قول أبي سهيل عن أبيه ثم نرجع بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحاء - فمعلوم أن من صلى بعد زوال الشمس الجمعة لا يرى في ذلك اليوم ضحى فلم يبق إلا ما تأوله أصحابنا أنهم كانوا يهجرون يوم الجمعة فيصلون في الجامع على ما في حديث ثعلبة بن أبي مالك القرظي أنهم كانوا يصلون إلى أن يخرج عمر بن
الاستذكار ج:1 ص:56
الخطاب فإذا صلوا الجمعة انصرفوا فاستدركوا راحة القائلة والنوم فيها على ما جرت عادتهم ليستعينوا بذلك على قيام الليل والله أعلم
وهذا تأويل حسن غير مدفوع
12 - مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن بن أبي سليط أن عثمان بن عفان صلى الجمعة بالمدينة وصلى العصر بملل (1)
قال مالك وذلك للتهجير (2) وسرعة السير
اختلف فيما بين المدينة وملل
فروينا عن بن وضاح أنه قال اثنان وعشرون ميلا ونحوها
وقال غيره ثمانية عشر ميلا
وهذا كما قاله مالك أنه هجر بالجمعة فصلاها في أول الزوال ثم أسرع السير فصلى العصر ((بملل)) ليس في أول وقتها - والله أعلم - ولكنه صلاها والشمس لم تغرب ولعله صلاها ذلك اليوم لسرعة السير والشمس بيضاء نقية
وليس في هذا ما يدل على أن عثمان صلى الجمعة قبل الزوال كما زعم من ظن ذلك واحتج بحديث مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن بن أبي سليط قال ((كنا نصلي مع عثمان بن عفان الجمعة فننصرف وما للجدر ظل))
وهذا الخبر الثاني عن عثمان ليس عند القعنبي ولا عند يحيى بن يحيى صاحبنا وهما من آخر من عرض على مالك ((الموطأ)) وهذا وإن احتمل ما قال فيحتمل أن يكون عثمان صلى الجمعة في أول الزوال
ومعلوم أن الحجاز ليس للقائم فيها كبير ظل عند الزوال
وقد ذكر أهل العلم بالتعديل أن الشمس بمكة تزول في حزيران على دون عشر أقدام وهذا أقل ما تزول الشمس عليه في سائر السنة بمكة والمدينة فإذا كان هذا أو فوقه قليلا فأي ظل يكون للجدر حينئذ بالمدينة أو مكة فإذا احتمل الوجهين لم يجز أن يضاف إلى عثمان أنه صلى الجمعة قبل الزوال إلا بيقين ولا يقين مع احتمال التأويل
¥