هذه قدرة الله وإرادته ومشيئته، لا يعجزه شيء، لكن بعض المخلوقين يقيس الله بخلقه فيستبعد البعث؛ لأنه في نظره مستحيل، ولا ينظر إلى قدرة الله، ولم يقدر الله حق قدره، وهذا من الجهل بالله عز وجل.
(16) ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه:
تقدم قول المصنف: "قديم بلا ابتداء"، فهو سبحانه وتعالى ليس قبله شيء، ومعنى ذلك: أنه متصف بصفات الكمال، فصفاته تكون أزلاً وأبداً، فكما أنه أول بلا بداية، فكذلك صفاته، فإنها تكون تابعة له سبحانه، فهي أولية بأولية الله سبحانه وتعالى، فلم يكن أولاً بلا صفات ثم حدثت له الصفات بعد ذلك كما يقوله أهل الضلال، الذين يقولون: لم تكن له صفات في الأزل ثم كانت له صفات؛ لئلا يلزم على ذلك تعدد الآلهة –كما يزعمون- أو تعدد القدماء، وتكون الأسماء والصفات شريكة لله في أوليته. فنقول: يا سبحان الله! هذا يلزم عليه أن يكون الله ناقصاً –تعالى الله- في فترة، ثم حدثت له الصفات وكمل بها، تعالى عما يقولون، ولا يلزم من قدم الصفات قدم الأرباب؛ لأن الصفات ليست شيئاً غير الموصوف في الخارج، إنما هي معان قائمة بالموصوف، ليست شيئاً مستقلاً عن الموصوف، فإذا قلت مثلاً: "فلان سميع بصير، عالم فقيه، لغوي نحوي" فهل معنى هذا أن الإنسان صار عدداً من الأشخاص، فلا يلزم من تعدد الصفات تعدد الموصوف، كما يقوله أصحاب الضلال.
فالله سبحانه وتعالى ليس لصفاته بداية كما أنه ليس لذاته بداية، فيوصف بأنه الخالق دائماً وأبداً.
وأما أفعاله سبحانه، فهي قديمة النوع حادثة الآحاد.
فالله سبحانه وتعالى متكلم قبل أن يصدر منه الكلام، وخالق قبل أن يصدر منه الخلق. وأما أنه يتكلم ويخلق، فهذه أفعال متجددة وهكذا.
(17) لم يزدد بكونهم شيئاً، لم يكن قبلهم من صفته:
أي: خلق الخلق. ولا نقول: لم يصر خالقاً إلا بعد أن خلقهم، بل هو يسمى خالقاً من الأزل، لا بداية لذلك، أما خلقه إنما هو متجدد.
(18) وكما كان بصفاته أزلياً، كذلك لا يزال عليها أبدياً:
كما أنه موصوف بصفاته أزلياً، يعني: لا بداية لذلك، كذلك صفاته تلازمه –سبحانه- في المستقبل، فهو بصفاته أبدي لا نهاية له (أنت الآخر فلا بعدك شيء) باسمك وصفاتك، ولا يقال: إن هذه الصفات تنقطع عنه في المستقبل، بل هي ملازمة له سبحانه وتعالى.
(19) ليس بعد خلق الخلق استفاد اسم (الخالق)
هذا توضيح وتكرار لما سبق.
(20) ولا بإحداث البرية استفاد اسم (الباري):
من أسماء الله عز وجل: الباري، يعني: الخالق، برى الخلق، يعني: خلقهم، فهو الباري، وهذا الاسم ملازم لذاته ليس له بداية.
(21) له معنى الربوبية ولا مربوب، ومعنى الخالق ولا مخلوق:
كذلك هو رب قبل أن توجد المربوبات، والرب معناه: المالك والمتصرف والمصلح والسيد، وهذه الصفات لازمة لذاته، يوصف بالربوبية بلا بداية ولا نهاية، قبل وجود المربوبات وبعد فناء المربوبات.
(22) وكما أنه محيي الموتى بعدما أحيا، استحق هذا الاسم قبل إحيائهم، كذلك استحق اسم الخالق قبل إنشائهم:
كما أنه –سبحانه- يوصف بكونه محيي الموتى في الأزل، وبأنه يحيي ويميت، ولا يكون هذا الوصف معدوماً حتى يكون أحيا الموتى، وإنما هذا له من القديم والأزل، وأما إحياء الموتى فهذا متجدد، أحيا ويحيي سبحانه إذا شاء.
(23) ذلك بأنه على كل شيء قدير:
هذا وصف أزلي، لا يقال بأنه ما استفاد القدرة إلا بعد أن خلق وأوجد المخلوقات، بل القدرة صفة أزلية، وإنما كونه أوجد المخلوقات فهذا أثر ناتج من كونه على كل شيء قدير.
والله هو الذي وصف نفسه بأنه على كل شيء قدير من الموجودات ومن المعدومات، لم يقيد قدرته بشيء معين، لا يعجزه شيء، ولا يجوز التقييد بأنه قدير على كذا، ولا يقال: إنه على ما يشاء قدير، إنما هذا خاص بجمع الله سبحانه وتعالى لأهل السموات والأرض: (ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير) [الشورى:29] وهذه قضية معينة.
(24) وكل شيء إليه فقير:
لا شيء يمكن أن يستغني عن الله لا من الملائكة ولا السماوات والأرض ولا الجن ولا الإنس، ولا الجامدات من الجبال ولا البحار، كل شيء فقير إلى الله: (يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد) [فاطر:15].
¥