تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لما بين الشيخ –رحمه الله- في أول كلامه ما يجب من معرفة الله سبحانه، واعتقاد أنه الرب المستحق للعبادة دون ما سواه، وأنه متصف بصفات الكمال ونعوت الجلال التي هو متصف بها أزلاً وأبداً، لما بين هذا ووضحه، انتقل إلى ما يجب اعتقاده في الرسول عليه الصلاة والسلام. وقوله: "وإن محمداً عبده المصطفى .. " هذا عطف على أول الكلام: "نقول في توحيد الله، معتقدين بتوفيق الله إن الله واحد لا شريك له…." إلى آخره، ثم قال: "وإن محمداً…." إلى آخره، فلابد من اعتقاد هذا، كما نشهد لله بالألوهية، كذلك نشهد للرسول صلى الله عليه وسلم بالرسالة، ولذلك فالشهادتان دائماً متلازمتان.

"وأن محمداً" هذا اسمه عليه الصلاة والسلام المشهور به، وقد جاء في القرآن: (ما كان محمدٌ أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله) [الأحزاب:40]، وفي قوله: (وآمنوا بما نُزل على محمد وهو الحق من ربهم كفّر عنهم سيئاتهم وأصلح بالهم) [محمد:2]، وفي قوله تعالى (محمد رسول الله والذين معه) [الفتح:29]، وجاء أحمد في القرآن في قوله تعالى عن عيسى عليه السلام: (يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقاً لما بين يديّ من التوراة ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) [الصف:6].

وله أسماء جاءت في السنة، ذكرها ابن القيم في كتابه: "جلاء الأفهام".

والتعرف على الرسول صلى الله عليه وسلم من واجبات الدين ومن أصول الإسلام، وقد قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في "ثلاثة الأصول": "الأصل الأول: معرفة الله، والثاني: معرفة نبيه، والثالث: معرفة دين الإسلام بالأدلة"، كما يجب عليك معرفة الله، كذلك يجب عليك معرفة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومعرفة دين الإسلام بالأدلة. هذه أصول ثلاثة، وهي التي يسأل عنها الميت إذا وضع في قبره.

وقوله: (عبده) فهو عبدالله عز وجل، وليس له من الألوهية شيء، ولا من الربوبية شيء، وإنما هو عبد الله ورسوله، مؤتمر بأوامره، منتهٍ عن نواهيه، مبلغ عن الله عز وجل، وهذا فيه رد على الغلو فيه عليه الصلاة والسلام؛ لأن هناك من يغلون في الرسول عليه الصلاة والسلام، ويجعلون له شيئاً من الربوبية أو الألوهية، ويدعونه مع الله، وهذا غلو –والعياذ بالله- كما غلت النصارى في المسيح عيسى ابن مريم، وقالوا إنه ابن الله أو الله أو ثالث ثلاثة. ففي قوله: (عبده المصطفى) فيه ردٌ للغلو، فهو عبد، وكل من في الأرض والسموات عبيد لله عز وجل، قال سبحانه (إن كل من في السموات والأرض إلا آتي الرحمن عبداً) [مريم:93]، فالملائكة عبيد (بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) [الأنبيا:26،27]، والأنبياء والرسل عبيد كما قال سبحانه في نوح عليه السلام: (كان عبداً شكوراً) [الإسراء:3]، وقال عز وجل: (فكذبوا عبدنا) [القمر:9]، وقال في داود: (واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب) [ص:17]، وقال في سليمان: (نعم العبد إنه أواب) [ص:30]، وقال في أيوب: (واذكر عبدنا أيوب) [ص:41]، وقال في عيسى: (إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلاً لبني إسرائيل) [الزخرف: 59]، فإذا كان الأنبياء والرسل والملائكة عبيد لله، وهم أشرف الخلق، فغيرهم من الأولياء والصالحين من باب أولى.

وأفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم، وهو آخر الأنبياء، وسماه الله عبداً في قوله: (وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا) [البقرة: 23] يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال تعالى: (تبارك الذي نزل الفرقان على عبده) [الفرقان:1] (سبحان الذي أسرى بعبده) [الإسراء:1]، ومقام العبودية هو أعلى المقامات، ولا شيء أشرف من العبودية لله عز وجل.

قال عليه الصلاة والسلام: "لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله" ().

ومعنى المصطفى: المختار، من الاصطفاء، وهو الاختيار، قال تعالى: (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب أولي الأيدي والأبصار*إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار*وإنهم عندنا لمن المصطفين الأخيار) [ص:45،47] المصطفين: جمع مصطفى، وهو المختار، أصله مصتفى، ثم أُبدلت التاء طاء فصارت مصطفى؛ ليسهل النطق بها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير