تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولهذا ذم العلماء الراسخون والمؤمنون الصادقون من اقتصر في إعجاز القرآن على ما فيه من الإعجاز من جهة لفظه أو تأليفه أو أسلوبه، وقالوا: هذا وإن كان معجزاً فنسبته إلى ما في معانيه من الإعجاز نسبة الجسد إلى الروح، ومحاسن الخَلْق إلى محسن الخُلُق، وهو يشبه من عظم النبي صلى الله عليه وسلم بمحاسن خَلْقه وبدنه، ولم يعلم ما شرف الله به قلبه الذي هو أشرف القلوب ونفسه التي هي أزكى النفوس، من الأمور التي تعجز القلوب والألسنة عن كمال معرفتها وصفتها، كما قال ابن مسعود (2): " إن الله نظر في قلوب العباد، فوجد قلب محمد خير القلوب، فاصطفاه لرسالته، ثم نظر في قلوب أصحابه بعد قلبه، فوجد قلوبهم خير القلوب، فاختارهم لصحبة نبيه وإقامة دينه ". وأظنه فيه أو في غيره (3): " فما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن، وما رآه المسلمون سيئاً فهو عند الله سيء ". وقال (4): " من كان منكم مستناً فليستن بمن قد مات،


(1) أخرجه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة (157) من حديث عثمان بن أبي دهرش مرسلاً، ولفظه: " خرجت عظمة الله من قلوب بني إسرائيل ... ". وإسناده ضعيف انظر: السلسلة الضعيفة (5050).
(2) أخرجه أحمد (1/ 379) والطيالسي في مسنده (ص23) والبزار كما في كشف الأستار (130) والطبراني في الكبير (8582) عنه موقوفاً. وإسناده حسن.
(3) هو ضمن الأثر المذكور، وقد أخرج هذا الجزء فقط الحاكم في المستدرك (3/ 78) وقال: صحيح الإسناد، ووافقه الذهبي.
(4) أخرجه ابن عبد البر في " جامع بيان العلم وفضله " (2/ 97) من طريق قتادة عن ابن مسعود، وهو منقطع.
(1/ 28)
فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أبر هذه الأمة قلوباً وأعمقها علماً وأقلها تكلفاً، قوم اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه، فاعرفوا لهم حقهم، وتمسكوا بهديهم، فإنهم كانوا على الهدي المستقيم ".
وهذا القدر الذي ذكرناه - من أن المقصود بالقرآن معانيه ومن ذم المعرض عن معناه- هو أجل في نفسه وأظهر معرفة من أن يحتاج إلى بسط، فإذا كان كذلك فمن أعرض عن معناه بالكلية فهو معرض عن البر المقصود منه، ومن أعرض عن معاني كثير منها فهو معرض عن كثير منه، فإذا كان يأمر بذلك الإعراض ويرغب فيه فهو أمر بالإعراض عن القرآن والأمر بنسيانه وتركه، ومعلوم أن هذا كفر صريح. وإذا كان يقول: إنه ليس بمعرض عن معناه، ويتأوله على غير تأويله، ويقول: هذه معانيه، ويأتي بمعان تضاد معانيه، فهو منافق كاذب، بمنزلة من يقول: أنا أؤمن بحروفه، وأتى بكلام ليس هو القرآن وقال: هذا هو القرآن، فهو منافق كاذب، ولهذا كان أضر وأخبث، فإن الأول بمنزلة الكافر المعرض عن المسلمين، والثاني بمنزلة المنافق الذي أظهر الإيمان وفعل في المسلمين ما ينافي الإيمان.
ولهذا كان مبدأ هذه البدع الكبار - مثل الرفض والتجهم ونحو ذلك - من منافقين زنادقة أبطنوا الكفر وأظهروا الإسلام، وجاء في الحديث من غير وجه: " إن أخوف ما أخاف عليكم زلة عالم، وجدال منافق بالقرآن، وأئمة مضلون " (1). وهذه الثلاثة تتفق في الأمور الخبرية

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير