والصواب أن كل ما سوى الله فهو مخلوق، وهو شامل لجميع الحوادث ولا يفضي ذلك إلى القول بقدم العالم مادام وصفها أنها مخلوقة بعد أن لم تكن، والواجب الوقوف مع النصوص أينما دارت نفياً وإثباتاً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كان الله ولم يكن شيء قبله".
وقد أطال على هذا الموضع – على مسألة "إنكار حوادث لا أول لها" – ابنُ تيمية في درء تعارض العقل والنقل مبيناً ما حوته المسألة من تضاعيف ولوازم فاسدة، فراجعه إن شئت.
والحاصل أن صفات الله من الخلق والرزق وغيرها من صفات الأفعال ليس لها بداية كما أن ذاته سبحانه ليس لها بداية. وأما أعيان الحوادث فلها بداية من وقت حدوثها، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/ 423: "قال الكرماني: قوله: "في السماء" ظاهره غير مراد؛ إذ الله منزه عن الحلول في المكان، لكن لما كانت جهة العلو أشرف من غيرها أضافها إليه إشارة إلى علو الذات والصفات"اهـ.
ت: هذا الظاهر مراد فالله مستوٍ على عرشه وعالٍ على خلقه، فلله علو الذات والصفات، كما له علو الحقيقة، فهو فوق عباده حقيقة كما قال سبحانه: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ}، وقوله: {يَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ}، وقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى}، فهو سبحانه مستوٍ على عرشه، لا تخفى عليه من عباده خافية.
وكونه في السماء يراد بها معنيان متنوعان غير متضادين، هما:
1 - الله في السماء أي عليها؛ فيكون حرف الجر (في) بمعنى (على)، كقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ} الآية؛ أي عليها.
2 - ويراد بالسماء العلو، كما في اللسان العربي الفصيح؛ فكونه في السماء أي في العلو؛ فتكون (في) ظرفية، وهذا هو الأصل في السماء أن يُراد بها العلو.
ولا يلزم من ذلك كله حلوله سبحانه بالمخلوقات بالعرش أو السماء أو غيرها، فهذا لازم من قام التشبيه في خاطره فدفعه بالتأويل والنفي، وأهل الحق لا يلزم من ذلك تمثيل عندهم ولا تكييف ولا تعطيل ولا تحريف، بل هو سبحانه في العلو وفوق العرش، وقد استوى عليه استواء يليق بجلاله، لا يشابه خلقه في شيء من صفاته، والله أعلم.
* * *
قال الحافظ 13/ 424: "ويكون معنى "فهو عنده فوق العرش" أي ذكره وعلمه، وكل ذلك جائز في التخريج. . . {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} أي ما شاءه من قدرته، وهو كتابه الذي وضعه فوق العرش" اهـ.
ت: هذا من التناقض؛ فمرة يُؤول عندية الكتاب إلى ذكره وعلمه، ومرة تؤول صفة الاستواء إلى القدرة مع إثبات الكتاب بالذي وضعه الله سبحانه فوق العرش. والتأويلان باطلان، والصواب ما دلّ عليه الحديث الصحيح من كون الكتاب عند الله فوق العرش، والحق الواجب اعتقاده إثبات عندية اللوح المحفوظ فوق العرش، واستواء الله على عرشه حقيقة لائقة بالله، فلا مسوغ للنفي والتأويل أو التعطيل والتمثيل، والله المستعان.
وانظر: الحاشية على حديث (3804)، باب 12 من المجلد السابع.
* * *
قال الحافظ 13/ 427: "قال البيهقي: صعود الكلام الطيب والصدقة الطيبة عبارة عن القبول، وعروج الملائكة هو إلى منازلهم في السماء، وأما ما وقع من التعبير في ذلك بقوله: "إلى الله" فهو على ما تقدم عن السلف في التفويض، وعن الأئمة بعدهم في التأويل" اهـ.
ت: مضى قريباً تبرئة السلف عن التفويض المطلق، وتحقيق أن تفويضهم هو للكيفية ليس إلا، كما روي عن الإمام مالك وغيره من الأئمة.
* * *
قال الحافظ 13/ 427: "وقال ابن بطال: غرض البخاري في هذا الباب الرد على الجهمية المجسمة في تعلقها بهذه الظواهر، وقد تقرر أن الله ليس بجسم فلا يحتاج إلى مكان يستقر فيه فقد كان ولا مكان، وإنما أضاف المعارج إليه إضافة تشريف، ومعنى الارتفاع إليه اعتلاؤه مع تنزيهه عن المكان. انتهى"اهـ.
ت: هذا النقل عن ابن بطال – عفا الله عنه – فيه منكرات:
أ- منها نفي الجسمية والاستقرار في مكان عن الله، وهو نفي لم يرد في الكتاب والسنة، وإنما يتوصل به إلى نفي الصفات والاستواء على العرش.
ب- ومنها قوله: "أضاف المعارج إليه إضافة تشريف"، والصواب أنه إضافة معان وصفات، لأن المعارج: العلو.
¥