قالوا: لأنا لو قلنا: إن القرآن كلام الله على الحقيقة، للزم من ذلك التجسيم، والتشبيه؛ لأن الكلام لا يصدر إلا من لسان، وأسنان، وشفتين، وحنجرة، وبلعوم، وحبال صوتية!
أول ما خطر ببالهم التشبيه – والعياذ بالله –؛ فلما خطر ببالهم التشبيه = انتقلوا إلى بيت الأخطل، وقالوا: الكلام هو المعنى القائم بالنفس، وإن الله لا يتكلم حقيقة، وإنما يتكلم كلاما نفسيا؛ فإن كان الكلام باللغة العربية سمي قرآنا، وإن كان بالسريانية سمي إنجيلا، وإن كان بالعبرية سمي توراة.
طيب! سؤال يا مساكين! تعالوا!
أنتم تقولون: عبارة عن كلام الله؛ من الذي عبر عن الله؟ أهو رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، أم جبريل – عليه السلام -؟
يلزمكم أحد أمرين:
إما أن تقولوا بقول المعتزلة، وأن الله خلقه في الهواء، وسمعه جبريل من الهواء، أو النبي – صلى الله عليه وسلم – من الهواء.
وإما أن ترجعوا إلى قول أهل السنة، وهو أنه كلام الله الذي تكلم به حقيقة على الوجه اللائق بجلاله وعظمته.
هم قالوا: نحن لو قلنا: بأنه الكلام الحقيق لزم منه كذا، وكذا، وكذا، مما ذكرتُه قبل قليل.
طيب ما الحل؟
قالوا: الحل نقول: إنه حكاية، أو عبارة عن كلام الله.
القرآن حكاية عن كلام، أو عبارة عن كلام الله!! من الذي ناب عنه؟
وهل هو عاجز عن الكلام حتى يُعَبَّر عنه؟ - تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا -.
ما زادوا في هذا على أن شبهوا الله بالأخرص الذي لا يستطيع الكلام - تعالى الله عما يقولون علوا كبير -.
وهذه العقيدة من أفسد العقائد، وكأنهم ينسبون الله إلى العجز، والخرص، وعدم القدرة على الكلام، وهذا أمر في غاية الخطورة.
طيب! لماذا يا مساكين؟!
قالوا: يلزم منه كذا، وكذا، طيب! ما دام قلتم: إنه يلزم من الكلام كذا، وكذا، يلزم من عدم الكلام ماذا؟
الخرص، وعدم القدرة على الكلام؛ فأنتم فررتم مما تصورتم أنه تشبيه بالموجود؛ فشبهتم الله بالمعدوم؛ ولذلك يقول أهل السنة: إن المعطلة يعبدون عدما، وإن المشبهة يعبدون صنما.
المشبهة - كاليهود - يعبدون أصناما، الذين قالوا: إن طوله كذا، وعرضه كذا، وأنه يستوي كما نستوي، ويتكلم كما نتكلم؛ هؤلاء شبهوه بالأصنام، المعطلة الذين نفوا الصفات شبهوه بالعدم؛ فأصبحوا يعبدون عدما.
الآن: أنا أسأل سؤالا: يعين لو جاءنا واحد من المعاتيه، فقال: فلان من الناس، زيد من الناس ليس في الحرم، ولا خارج الحرم، لا فوق الأرض، ولا تحت الأرض، ولا في السماء، ولا في الأرض، ولا في الشرق، ولا في الغرب، ولا أمام لاو خلف، ولا يمين، ولا شمال، ولا فوق، ولا تحت؛ النتيجة ماذا؟ العدم. أن هذا الشيء ما هو إلا أمر خيالي، وجوده وجود ذهني، ليست له حقيقة في واقع الأمر، وهذا ما انتهت إليه المعتزلة في نهاية المطاف؛ عندما قالوا: لا نقول موجود، ولا معدوم، ولا متصل، ولا منفصل، ولا فوق العالم، ولا تحت العالم، ولا فوق، ولا شمال، ولا جنوب، ولا يمين، ولا ... إلى آخره.
إذًا النتيجة ماذا؟ تصبح العنقاء أقرب منه وجودا – المستحيلة – تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا -، وأصبح قولهم قريبا من قول فرعون مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} القصص: 38 {.
فإذًا القضية خطيرة جدا، هم لا يدركون هذه الحقيقة؛ ولذلك لو سألتهم من الذي عبر عن القرآن: جبريل، أم محمد؟
سيسكتون، لا يجيبون.
إذًا قولكم، واستدلالكم ببيت الأخطل = استدلال فاسدٌ، باطلٌ.
ما هو بيتُ الأخطلِ؟
قال:
إن الكلام لفي الفؤاد /// وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
أولا: هذا البيت لا يثبت في ديوان الأخطل المعروف، نعم، الأخطل يقال: إنه من آخر من يحتج بشعرهم في باب اللغة، والنحو، لا في باب العلم الشرعي، يعني في باب اللغة العربية، ومع هذا فإن هذا البيت لا يوجد في دواوينه.
ثانيا: الأخطل رجل نصراني يعتقد اتحاد اللاهوت بالناسوت، ومعنى ذلك أن الإله اتحد مع الناس؛ فلا فرق – حينئذ – بين الإنسان والله – تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا -، وهذه ما سرت إلى عقيدة بعض المتصوفة أتباع ابن عربي القائلين بأن:
العبد رب والرب عبد /// فليت شعري من المكلف
¥