إذًا عقيدة نصرانية، وهو لا يفرق بين الصفة والموصوف، ولا بين الخالق والمخلوق – حينئذ -؛ فهل يعتد، أو يحتج بشعر من كان هذا معتقده؟!
ثالثا: أن الذي يروى في المشهور:
إن البيان، وليس: إن الكلام ...
إن البيان لفي الفؤاد وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا
يعني يبدأ بفكرة في الفؤاد، ثم توضح بالكلام؛ فأصبح - بهذه الرواية – لا حجة فيه لهم.
رابعا: من المعلوم أن الكلام في الصلاة محرم أليس كذلك؟
ومن تكلم في الصلاة متعمدا = بطلت صلاته، طيب! من وسوس، أو حدثته نفسه، تبطل صلاته، أو لا تبطل؟
لا تبطل، ومعنى كلامهم – أننا لو قلنا بهذا - الكلام في الفؤاد؛ لقلنا: كل من حدثته نفسه بشيء بطلت صلاته؛ لأنه يعتبر متكلما، يعتبر متكلما بهذا المعنى الفاسد، وقد أجمع أهل السنة على أن الذي تحدثه نفسُه، أو تهجم عليه بعض الوسوسة في صلاته؛ فإن صلاته صحيحة؛ لأنه لم يتلكم، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: (إن هذه الصلاة لا يصح فيها شيء من كلام الناس).
فلذلك بطل استدلالهم ببيت الأخطل. فيقرر شيخ الإسلام: إنني أعتقد ما جاء في القرآن من أن الله يتكلم متى شاء، إذا شاء، كيف شاء، وأن القرآن كلام الله الذي تكلم حقيقة: لفظه، ومعناه - المكتوب في المصاحف، والمحفوظ في الصدور، والمتلوُّ بالألسن = كلُّه كلام الله غير مخلوق، ولا أقرر ما يقرره الأخطل النصراني، كما يستدل على ذلك بعض المبتدعة.
((المتن))
والمؤمنون يَرَوْنَ حقاً ربَّهُمْ /// وإلى السَّماءِ بِغَيْرِ كَيْفٍ يَنْزِلُ
((الشرح))
قرر في هذا البيت – رحمه الله – مسألتين:
المسألة الأولى: مسألة رؤية الباري – سبحانه وتعالى -؛ فهو يعتقد – كما يعتقد سائر أهل السنة – أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر، أو كما يرون الشمس ليس دونها سحاب، وهذا هو معتقد أهل السنة قاطبة، وخالف في هذا المعتقد أربع طوائف، وبعض الطوائف توافقهم – أحيانا -، وتخالفهم - أحيانا أخرى -.
الطوائف التي أنكرت الرؤية هم: الجهمية، والمعتزلة، والرافضة، والخوارج، وحري بمن أنكر رؤية الباري – سبحانه وتعالى – يوم القيامة في الجنة أن يحرم منها. يقول الإمام الشافعي – رحمه الله – في معنى قول الله – سبحانه وتعالى – كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} المطفيفين: 15 {؛ بما أن هؤلاء قد حجبوا عن الله – تعالى - حال السخط؛ فإن المؤمنين يرونه حال الرضا، أو كما قال – رحمه الله تعالى -.
فهذه عقيدة أهل السنة والجماعة: أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة رؤية حقيقة، وقد دلت عليها النصوص من الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة: أعني إجماع أهل السنة؛ لأن تلك الفرق لا يعتد برأيها، ولا بآرائها، ولا بأقوالها، ومن شذ شذ في النار.
إذًا أجمع أهل السنة على أن المؤمنين يرون ربهم، وسنذكر دليلا واحدا من الكتاب، ومن السنة، وبيان إجماع الأمة ونمضي.
استدل أهل السنة بأدلة كثيرة من القرآن، منها قول الله - تعالى – وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} القيامة: 22 – 23 {وجه الاستدلال من الآية من ثلاثة وجوه:
الوجه الأول: أن الله عبر بالوجوه التي هي محل النظر؛ لأن موقع العينين في الوجه، والعينان هما محل النظر.
الوجه الثاني: أن الله – تبارك وتعالى – عدى الفعل بحرف (إلى) (إلى ربها ناظرة)، الأولى (ناضرة) بالضاد، المقصود: فرحة، مسرورة، منبسطة، نضرة (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها؛ فأداها كما سمعها).
فـ (إلى ربها ناظرة) الثاني تعديته الفعل (نظر) بحرف (إلى).
الوجه الثالث: خلو الفعل، أو خلو السياق من قرينة تصرف عن هذا المعنى الذي هو الرؤية الحقيقة إلى معنى آخر.
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} القيامة: 22 – 23 {كما استدلوا بقول الله تعالى لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} يونس: 26 {؛ وهذه الآية فسرها رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؛ فعن صهيب – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: ينادي الله أهل الجنة، إذا دخل أهل الجنة نادى منادٍ: يا أهل الجنة! إن لكم موعدا سوف ننجزكموه؛ فيقولون:
¥