تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3 – "أنَّ الأحكامَ الأصوليةَ والفرعيةَ لا تتم إلاّ بأمرين: وجود شروطها، وأركانها، وانتفاء موانعها" قال السّعديّ: «وهذا أصلٌ كبيرٌ مطرد الأحكام في الأصول والفروع، فمن أعظم فوائده: كثيرٌ من نصوص الوعد بالجنة، وتحريم النار على أعمال لا تكفي وحدها بمجردها، وكثيرٌ من نصوص الوعيد التي رتب عليها دخول النار، أو تحريم دخول الجنة، أو حرمان بعض أجناس نعيمها، فلا بدَّ في هذه النصوص من اجتماع شروطها، ومن انتفاء موانعها، وبهذا يحصل الجواب عن كثير من الإيرادات والإشكالات على نصوص الوعد والوعيد، وهي كثيرةٌ جداً ... » ().

فهذه قواعدُ جليلةٌ، نفعها للدعاة كبير، وأثرها على تصحيح الدعوة عظيم، فينبغي للداعية البصير أنْ يعتني بها جيّداً.

??????

(6)

الدَّاعِيَة البَصِير ..

يراعي فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد

هذه المسألة من المسائل العظيمة التي ينبغي لكل داعيةٍ أن يتعلمها خاصةً في هذا الزمان؛ لعظم الحاجة إليها؛ ولأنَّ الدعاة فيها بين إفراط وتفريط، فطائفةٌ لم تعتد بالمصالح الراجحة فخالفت بذلك النصوص الصريحة من كتاب الله وسنة رسوله @ – ويأتي ذكرها –، وطائفة تساهلت في اعتبار المصالح و توسعت في استعمالها على حساب النصوص الشرعية الواضحة فلم تراعِ "فقه الموازنة بين المصالح والمفاسد"، ووفق الله طائفة فتوسطت بين هاتين الطائفتين فعملت "بفقه الموازنة بين المصالح والمفاسد" في ضوء نصوص الكتاب والسنة مراعية في ذلك الأصول والضوابط الشرعية مستفيدة من فهوم العلماء المحققين من سلف الأمة.

ويمكن إجمال الكلام على هذه المسألة في نقطتين ():

النقطة الأولى: مراعاة القواعد التي دل عليها استقراء جملة النصوص الشرعية في هذه المسألة ومنها قاعدة:"درء () المفاسد أولى من جلب المصالح" – وهي الأصل في هذا الباب –، فإذا تعارضتْ مفسدةٌ ومصلحة قُدِّمَ دفع المفسدة غالباً – إلاّ أنْ تكون المصلحة راجحة فتقدم على المفسدة المرجوحة – لأن اعتناء الشارع بالمنهيات أشد من اعتنائه بالمأمورات ()، ولذلك قال @: «فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِشَيْءٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَإِذَا نَهَيْتُكُمْ عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ» () فجعل المناهي آكد في الاعتبار من الأوامر؛ حيث حَتّمَ في المناهي من غير مثنوية، ولم يحتم ذلك في الأوامر إلا مع التقييد بالاستطاعة، وذلك إشعار بترجيح مطابقة المناهي على مطابقة الأوامر.

ومن النصوص الدالة على هذه القاعدة قوله تعالى: ? ???? ????????? ????????? ????????? ??? ????? ???? ??????????? ???? ??????? ???????? ?????? ? ? [الأنعام: 108].

قال ابنُ كثير: «يقولُ اللهُ تعالى ناهياً لرسوله @ والمؤمنين عن سب آلهة المشركين وإن كان فيه مصلحة إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين ... ومن هذا القبيل وهو ترك المصلحة لمفسدة أرجح منها ماجاء في الصحيح أن رسول الله @ قال: ملعون من سب والديه قالوا: يارسول الله وكيف يسب الرجل والديه؟ قال: يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه» ().

ومن النصوص أيضاً: حديثُ عَائِشَةَ < قَالَتْ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ @ عَنْ الْجَدْرِ () أَمِنْ الْبَيْتِ هُوَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَلِمَ لَمْ يُدْخِلُوهُ فِي الْبَيْتِ؟ قَالَ: إِنَّ قَوْمَكِ قَصَّرَتْ بِهِمْ النَّفَقَةُ، قُلْتُ: فَمَا شَأْنُ بَابِهِ مُرْتَفِعًا؟ قَالَ: فَعَلَ ذَلِكِ قَوْمُكِ لِيُدْخِلُوا مَنْ شَاءُوا وَيَمْنَعُوا مَنْ شَاءُوا، وَلَوْلا أَنَّ قَوْمَكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَخَافُ أَنْ تُنْكِرَ قُلُوبُهُمْ لَنَظَرْتُ أَنْ أُدْخِلَ الْجَدْرَ فِي الْبَيْتِ وَأَنْ أُلْزِقَ بَابَهُ بِالأَرْضِ (). وقد بوّب البخاريّ على الحديث بقوله: «باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه» ()، قال

ابنُ حجر: «والمراد بالاختيار في عبارته المستحب، وفيه: اجتنابُ ولي الأمر ما يتسرع الناس إلى إنكاره، وما يخشى منه تولد الضرر عليهم في دين أو دنيا، وتألف قلوبهم بما لا يترك فيه أمر واجب، وفيه تقديم الأهم فالأهم من دفع المفسدة وجلب المصلحة، وإنهما إذا تعارضا بدئ بدفع المفسدة، وأنَّ المفسدة إذا أمن وقوعها عاد استحباب عمل المصلحة» ().

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير