لم يعرف علم التوثيق في العصر الحديث تجديدا إلاّ في حدود ضيقة جدا تتسم في أكثر الأحيان بالسطحية و الجفاف والنقل المباشر، فكانت كتبهم في مجملها شبه مطابقة لما ألّف في القرن السادس وما قبله، سواء من حيث الأفكار والأسلوب أو من حيث الألفاظ والعبارات، اللّهم إلاّ ما كان من قلة قليلة أمثال أبي الشتاء بن الحسن بن محمد الغازي الحسيني الذي أبدع من خلال كتابه الموسوم بالتدريب على تحرير الوثائق العدلية، هذا الشخصية التي مدحها الجيدي في محاضراته فقال " إنّ أبرز شخصية في هذا القرن بلا منازع هو الشيخ أبو الشتاء الصنهاجي الحسيني المتوفى عام خمس وأربعين وتسعمائة وألف للميلاد شارح الوثائق الفرعونية وصاحب المؤلفات الجليلة" ([31] ( http://www.ulum.nl/d50.html#_edn31))‘ و قد نشر هذا الكتاب بعناية أحمد الغازي الحسيني نجل الغازي الحسيني ([32] ( http://www.ulum.nl/d50.html#_edn32)) الذي صرّح في مقدمته بأنّه "أوّل كتاب في فن التوثيق المطعّم بالقوانين الحديثة والأساليب الجديدة" ([33] ( http://www.ulum.nl/d50.html#_edn33)).
ولقد ضاعت أهم المصادر التي كان يعتمد عليها في علم التوثيق وهي للأسف الشديد كثيرة جدا، فكتاب الوثائق والسجلات لابن العطار رغم وجود بعض أوراقه مما حققه شالميتا وكورنيطا، إلاّ أنّ كثيرا منه يقع في حكم المفقود، أمّا وثائق ابن الهندي ووثائق فضل بن سلمة ووثائق ابن لبابة ووثائق ابن عفيف ووثائق الباجي ووثائق ابن الطلاع وغيرها كثير فلا أثر له ولا وجود إلاّ من خلال ما أشار إليه الذين أخذوا عنها ممن قربت أزمنتهم بأزمنتهم، وقد وجد كثير منها في كتاب النهاية والتمام في معرفة الوثائق والأحكام لأبي الحسن المتيطي، ومختصره لأبي محمد ابن هارون الكناني، ومعين الحكام لإبراهيم بن عبد الرفيع التونسي وغيرهم ...
ويقيني كبير أنّ كثيرا من هذه الكتب في هذا الفن وفي غيره موجودة في خزائن كثير ممن لا يعرف قيمتها ولا يدرك ثراءها و نفعها، ولجهلهم بمضامينها ومحتوياتها تركوها تأكلها الأرضة وتستنزفها أعادي الأيام.
لذلك كان لابد أن يندب لهذه المهمة من قويت إرادته وصلبت عزيمته ممن يؤمن بضرورة تبليغ العلوم و نشر المعارف وأن يسعى للكشف عنها وإنارة الناس بخيراتها وفضائلها، وأن لا يبالي بالمشاق التي تناله أو المخاطر التي تعترضه وهي كثيرة جدا.
وإنّ الصمت المطبق وعدم الاكتراث بهذا الخطر يسرّع فناء هذا التراث ويعجّل انقراضه، لذلك كان لا بد أن تتعاون جميع القوى وتتكاثف كل الجهود في البحث عن وسائل استجماعه واستجلابه من جهة وتخليصه من قيود الستر، وطغيان الهيمنة من جهة ثانية، ليبعث ويكون في متناول من يدرسه ويبحثه ويحققه وينشره.
الهوامش والمراجع:
([1]) عبد الستار الحلوجي، المخطوط العربي، مكتبة الصباح، الرياض، الطبعة الثانية 1989م صفحة 15
([2]) أحمد بن محمد علي الفيومي، المصباح المنير، دار الحديث، القاهرة، 2003، صفحة 106
([3]) الفيروز آبادي، القاموس المحيط، دار الكتاب الحديث، الجزائر الكويت القاهرة الطبعة الأولى 2004، صفحة 687
([4]) محمد شوقي بينبين، مالمخطوط، مجلة دعوة الحق، العدد 377، السنة الخامسة والأربعين 2004
([5]) نفسه صفحة 377
([6]) المخطوط العربي صفحة 254
([7]) نفسه صفحة 254
([8]) عمر الجيدي، محاضرات في تاريخ المذهب المالكي قي الغرب الإسلامي، منشورات عياض، الرباط المغرب. صفحة 55
([9]) نفسه صفحة 55
([10]) المخطوط العربي صفحة 55
([11]) نفسه صفحة 256
([12]) المركشي، المعجب، طبعة 1978 صفحة 254 - 255
([13]) أحمد شوقي بينبين، فهرسة المخطوطات العربية بالمغرب، موقع ملتقى أهل الحديث 12/ 04/07
([14]) محمد العبدري البلنسي، الرحلة المغربية، تحقيق أحمد بن حدو، نشر كلية الأداب الجزائرية، صفحة 37
([15]) ابن هارون الكناني مختصر المتيطية لوحة رقم 1 مخطوط رقم 1073 المكتبة الوطنية الجزائر.
([16]) أبو العباس أحمد الونشريسي، المنهج الفائق والمنهل الرائقوالمعنى اللائق بأداب الموثق وأحكام الوثائق، تحقيق لطيفة الحسيني، مطبعة فضالة المحمدية، المغرب، سنة النشر1997م، صفحة 193.
¥