- وعندما ? عد ? ت ? ر ? شح ? ت للعمل في جامعة الدول العربية فكنت مديرًا لمعهد المخطوطات العربية
ثم مستشارًا. وكانت السنوات التي قضيتها في المعهد، من أخصب السنوات في حياتي عم ً لا وإنتاجًا.
وقد أتاحت لي زيارة مكتبات العالم التي تحتوي مخطوطات عربية وانتقاء الجيد منها، وتصويره
بالميكروفيلم ليكون في المعهد ?ي ? رجِ ? ع إليه العلماءُ والباحثون. وبقي ? ت في الجامعة العربية حتى عام 1961
م وقد أصبح لمعهد المخطوطات شهرة عالمية في البلاد العربية والغربية. ولي كتاب اسمه "ست سنوات في
معهد المخطوطات" لم ?يطبع بعد، ذكرت فيه بتفصيل أعمالي فيه.
- أما ثقافتي فهي ثقافة متنوعة. كان الأقدمون يصفون الذي يحيط بجميع العلوم، ويأخذ بطرفٍ
من ُ كلٍّ منها بأنه عالم "?مشارك" وكان ?يعجبني هذا الاسم، فبدأ ? ت حياتي أديبًا. مل ? ت إلى الأدب وتأثرت
بالرسالة وبالز?يات رحمه الله. وقرأ ? ت عددًا كبيرًا من كتب الأدب العربي القديم. وكان لأستاذنا خليل
مردم بك الذي كان يد?رسنا الأدب العربي في الكلية العلمية الوطنية ويح?ببنا فيه فضل في ذلك. وكان لي
ذاكرة قو?ية، كنت أحفظ كل يوم صفحات من أقوال الأدباء وشعر الشعراء. وبدأت أنشر في الصحف
وأنا في التاسعة عشرة من عمري. وتاقت نفسي أن أرى اسمي بين ُ ك?تاب الرسالة وكان يكتب فيها طه
حسين، وأحمد أمين، والرافعي والعقاد، وسيد قطب، والطنطاوي، وزكي مبارك وغيرهم، فكتب ? ت
يومًا مقالة جهد ? ت في تنقيحها وز ? وق?تها على الطريقة الز?يات?ية، وأرسل?تها إلى الأستاذ الز?يات، ورجوته أن
ينشرها إذا كانت تصُلح للنشر. وبقي ? ت أسبوعين أتقّل ? ب على الجمر وأتساءل: هل ?تنشر أم ?ت ? رفض.
وذات يوم فوجئ ? ت برسالة من الز?يات ?يثني فيها على المقال ويطلب أن ُأرسل له صورتي لأ ّ ن المقال
س?ي?نشر في العدد الممتاز الهجري. فاضطرب ? ت وقل ? ت: إذا أرسلت له صورتي سيرى أني ما زل ? ت فتى،
ولس ? ت من طبقة الأدباء الكبار، الذين يكتبون في الرسالة. وقد يش ? ك أني أنا كاتب المقالة.
- وجا? ? ت الأمر، وأرسلت صورتي الطبيع?ية وبعد أسبو ? ع?ين أو أكثر قض?يتها وأنا ?مضطرب البال،
دائم التفكير، وصلت إ ّ لي رسالة من الأستاذ الز?يات، يوافق فيها على المقالة و?يثني عليها. فكان ذلك
عيدًا عندي. وكان هذا المقال بداية عهدي بالكتابة في (الرسالة)، وانطلاقي في الأدب. وكان لي في
الرسالة ثم في مجلة (الثقافة) مقالات كثيرة.
* * *
ثم حدث حادث جعلني أهتم إلى جانب الأدب، بال?تراث والتاريخ. وكان حادثًا هامًا في حياتي
الثقافية. ذلك أن الأستاذ محمد كردعلي، رحمه الله، رئيس ا?مع العلمي العربي، ومؤسسه، - وكان
أكبر عالم عندنا في دمشق - ألقى عام 1940 م محاضرة في الجامعة السور?ية، عن (مميزات بني أم?ية).
فذهبت لسماعها. وكنت يومئذٍ أتدفق بالنشاط والحماسة، و?يخالطني الغرور. فأردت أن أنتقده في
أمور. وكان من الجرأة البالغة أن ينتقده إنسان. فكتبت مقالة في نقد المحاضرة، وأرسل?تها إلى الأستاذ
الز?يات. وكان الز?يات لا يحب الأستاذ كردعلي، بينهما نفور. فسارع إلى نشر مقالتي. فلما رأي?تها
منشورة شعر ? ت بألم شديد و?ن ? دم. ووبخت نفسي، فقد كان كردعلي من كبار العلماء وعظماء الرجال.
وبينما أنا أفكر في طريقة للاعتذار منه، جاءني الأستاذ عبد النبي قلعي، وكان رئيس ديوان وزارة
المعارف، وصديقًا لوالدي، وقال: كنت أمس في زيارة للأستاذ كردعلي. فسألني عنك، وهو يرغب أن
يراك، فلعلك تذهب لزيارته.
- قلت له: لقد انتقدته، وندمت، ولا أجرؤ على الذهاب إليه وحدي. أخشى أن يغضب إذا
رآني. فقال: لا تخف. هو يريد أن يراك ويتحدث إليك.
- وح ? دد لي الأستاذ موعدًا ألقاه فيه. فذهبت، وكان يسكن في شارع الروضة. فما كاد يدخل
إلى الصالون الذي كنت أنتظره فيه حتى نظر إ ّ لي وقال: رحم الله أباك. وك ? ررها. كان أبوك أع ? ز صديق
لي وكان نادرة الشام. فلما سمع ? ت ذلك شعر ? ت أني صغير جدًا. كيف أنتقد من كان صديقًا لوالدي؟ ثم
جلسنا. فبدأ بالحديث مستفسرًا عن حالي وعملي ثم قال: قرأت مقالك. واستفد ? ت منه في ثلاث نقاط.
أما باقي الكلام فلا معنى له. وأنا أنصحك أن تبتعد عن هذه السخافات التي يكتبها الكتاب اُلم ? ح ? دثون
المعاصرون، وأن تأخذ بالج ? د.
¥