- فأخذ ? ت بالاعتذار. فأسكتني. وقال: امضِ في الكتابة، أعجبني أسلوبك، وسيكون لك شأن
إن شاء الله. وهذه مكتبتي كلُّها تحت تص? رفك. إكرامًا لأبيك، وتشجيعًا لك. فامضِ في طريقك
واشتغل. ثم أضاف: قرأت كتابك (إبليس يغ?ني). - وكنت قد أصدرت هذا الكتاب وفيه ثلاث
مسرحيات اقتبس?تها من أدبنا القديم - فلا تضع وقتك ?ذا!
- فسألته: وبماذا تنصحني؟
- قال: هذه مدينتك دمشق، يجب أن ?تم بتأريخها، وعلمائها وكذا وكذا ... إذا لم تبدؤوا أنتم
فمن يفعله. أنا سأموت، يجب أن ?ت ? م أنت وغيرك ?ذا الأمر. وأقول لك كما قال لي شيخنا الشيخ
طاهر الجزائري: التراث العربي المخطوط ?مهمل فاعتنوا به وأ ? ح?يوه.
- فسألته: وماذا عل ? ي أن أقرأ أو أفعل لذلك؟
- قال: عليك بالمكتبة الظاهرية يوجد فيها سبعة آلاف مخطوط. اقرأها وستصبح عالم دمشق.
- منذ ذلك الحين بدأت بالاهتمام بتراثنا المخطوط، وبتاريخ مدينتي دمشق. فكنت ألازم المكتبة
الظاهر?ية وأعيش مع مخطوطا?ا. وكنت ألقى من مديرها الأول الدكتور يوسف العش، ثم مديرها الثاني
الأستاذ عمر رضا كحالة رحمهما الله، كل عون. وكنت أضع لكل مخطوط قرأته بطاقة تصفه، وما تزال
هذه البطاقات لد ? ي. وق?يض الله لي صحبة الع ّ لامة الشيخ محمد أحمد دهمان فأفدت الكثير من علمه.
وظل الاهتمام بالتراث وبدمشق ديدني، حتى إني عندما ? ع?ين ? ت في مديرية الآثار كان همي الأول التعريف
بآثار دمشق. فبدأت بنشر سلسلة آثارية أصدر?ا مديرية الآثار، صدر منها: دمشق: أسوارها أبراجها،
أبوا?ا، وبيمارستان نور الدين بدمشق، وقصر أسعد باشا العظم بدمشق.
- وتابع ? ت هذه الأبحاث في مقالات ?نشرت في مجلة المشرق ببيروت عن (خطط دمشق).
- وحققت قطعة من تنبيه الطالب وإرشاد الدارس لِما في دمشق من المدارس لل?ن?ع?يمي، تتعَلق
بدور القرآن، ثم حققت كتاب (مختصر تنبيه الطالب لل?عْل ? موي). ورأي ? ت أنه لا ب ? د من وضع مخطط
لمدارس دمشق ومساجدها وطرقها ودرو?ا وأحيائها، فرح ? ت أطوف في كل ح ? ي، وأزور كل مدرسة
وجامع، وأدخل كل بيت قديم، وُأثبت الأماكن، وأتت?بع مواضعها. قضيت سنة كاملة في هذا العمل،
حتى وضعت (مخطط دمشق القديمة) ب?ي?ن ? ت فيه أسوارها، وأبوا?ا وأحياءها ودرو?ا، وكل مدرسة أو
2000 فكان عم ً لا رائعًا أفتخر به، لم يسبقني إليه أحد. وجعلت / مسجد زال أو ما يزال. بمقياس 1
هذا المخ ّ طط ?ملحقًا لكتاب (مختصر تنبيه الطالب) للعلموي، المذكور.
- وفي خلال ذلك كّله لم ينقطع اتصالي بأستاذنا كردعلي. فكنت أتر ? دد دائمًا عليه، في مقر
ا?مع أو في داره، أو في قريته (جسرين) بالغوطة. وكنت أفيد من علمه، وأساعده في أعماله. وسمع?ته
ذات يوم يتكلم بحرقة عن تقاعس أعضاء ا?مع بدمشق عن تحقيق (تاريخ دمشق) للمؤرخ الكبير
والمح ? دث العظيم ابن عساكر. وهو في ثمانين مجلدة كل مجلدة ألف ورقة. فُقلت له: أنا أبدأ به. َفَق?بلني،
وقال: يا عيني ? ع?ينك. وهذه كلمة كان يقولها عند إعجابه الشديد. فانصرف ? ت بحماسة إلى البحث عن
مخطوطات التاريخ وجمعها لمقابلة بعضها على بعض وتحقيق ا?لدة الأولى. وشك بعض أعضاء ا?مع أن
يكون عندي القدرة على هذا العمل. والحقيقة أنه عمل صعب جدًا. وقضي ? ت سنتين أعمل حتى أخرجنا
ا?لدة الأولى في (960) ص. صدرت عام 1951 م. فتدفق عل ? ي الثناء من شيوخ ا?مع قاطبة. و ? سماني
أستاذنا كردعلي (ابني الروحي). وق ? رظ عملي كبار المؤرخين في البلاد العربية. وهذا كله فضل من الله
تعالى.
- وفي هذه الفترة، أعطاني أستاذنا كردعلي صورة مخطوطة نادرة جدًا اسمها (رسل الملوك ومن
يصلح للرسالة والسفارة) لابن الف ? راء لكي أحّققها. وفيها مباحث عن الرسل والسفراء في الإِسلام.
فاستهواني الموضوع، لأنه دليل قاطع على أن المسلمين سبقوا أوروبا إلى القانون الدبلوماسي، وقواعد
اختيار السفراء. فأسرع ? ت إلى تحقيقه وأرسلته إلى الأستاذ أحمد أمين رئيس لجنة التأليف والنشر في
القاهرة. فوافقت اللجنة على نشره. وقد كان لها صيت ذائع ومكانة كبيرة. ولا تن ? شر إ ّ لا الج?يد. فكان
ذلك لي توفيقًا جديدًا يم ? ن الله تعالى به عل ? ي.
- وفي عام 1954، أول آذار توّلى وزارة المعارف السورية الدكتور منير العجلاني. وكان يعلم
¥