وذهب الإمامُ ابنُ حزمٍ - رحمهُ اللهُ - إلى حرمةِ التختمِ بالسبابةِ والوسطى فقال في " المحلى " (4/ 50) بعد أن ساقَ حديث علي - رضي الله عنه -: " وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ صَلَّى مُتَخَتِّمًا فِي إصْبَعٍ نُهِيَ عَنْ التَّخَتُّمِ فِيهَا وَبَيْنَ مَنْ صَلَّى لَابِسَ حَرِيرٍ أَوْ عَلَى حَالٍ مُحَرَّمَةٍ، لِأَنَّ كُلَّهُمْ قَدْ فَعَلَ فِي الصَّلَاةِ فِعْلًا نُهِيَ عَنْهُ ".
قلتُ: ما ذهب إليه الإمامُ ابنُ حزم - رحمهُ اللهُ - في حرمةِ التختمِ في السبابةِ أو الوسطى هو الصوابُ، لأن الأصلَ في النهي الحرمةُ ما لم تأتِ قرينةٌ تصرفهُ من الحرمةِ إلى حكمٍ آخر، واللهُ تعالى أعلم.
ثامناً: وزنُ خاتمِ الرجلِ:
اختلف الفقهاءُ في الوزنِ المباحِ لخاتمِ الرجلِ، فعند الحنفيةِ لا يزيدُ الرجلُ خاتمهُ عن مثقال، وقال المالكيةُ: يجوزُ للذكرِ لبسُ خاتمِ الفضةِ إن كان وزنُهُ درهمين شرعيين أو أقل، فإن زادَ عن درهمين حرم. [انظر: رد المحتار 5/ 229 - 230، جواهر الإكليل 1/ 10].
قلتُ: وزنُ الدرهمِ الشرعي يعادلُ 2,975 جراما. [انظر: الموسوعة الفقهية 11/ 27].
ولم يحدد الشافعيةُ وزناً للخاتمِ المباحِ.
قال الشربيني في " مغني المحتاج " (1/ 578): " وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْأَصْحَابُ لِمِقْدَارِ الْخَاتَمِ الْمُبَاحِ وَلَعَلَّهُمْ اكْتَفَوْا فِيهِ بِالْعُرْفِ ".
وقال الحنابلة كما في " كشاف القناع " (2/ 236): " (وَلَا بَأْسَ بِجَعْلِهِ مِثْقَالًا فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِيهِ تَحْدِيدٌ مَا لَمْ يَخْرُجْ عَنْ الْعَادَةِ) وَإِلَّا حَرُمَ ".
قال الشيخ الألباني - رحمه الله - في " آداب الزفاف " (ص 150): " وفي هذا الحديثِ - أي قوله: فاتخذ خاتماً من ورقٍ - أيضاً جوازُ اتخاذِ خاتمِ الفضةِ، وإطلاقه يقتضي إباحته ولو كان أكثرَ من مثقالٍ،وأما حديث " ولا تتمه مثقالاً " فضعيف ".
تاسعاً: عددُ خواتمِ الرجلِ:
ذهب المالكيةُ إلى أنهُ لا يباحُ للرجلِ أكثر من خاتمٍ واحدٍ، فإن تعدد الخاتمُ حرم ولو كان في حدودِ الوزنِ المباحِ شرعاً.
قال الخرشي في" حاشيته " (1/ 184): " وَلَا يَجُوزُ تَعَدُّدُ الْخَاتَمِ وَلَوْ كَانَ وَزْنُ جَمِيعِ الْمُتَعَدِّدِ دِرْهَمَيْنِ ".
والمعتمدُ عند الشافعيةِ جوازُ تعددِ الخواتمِ مالم يؤدِ إلى إسرافٍ.
قال الشربيني في " مغني المحتاج " (1/ 579): " وَاَلَّذِي يَنْبَغِي اعْتِمَادُهُ فِيهِ مَا أَفَادَهُ شَيْخِي مِنْ أَنَّهُ جَائِزٌ - أي تعدد الخواتم - مَا لَمْ يُؤَدِّ إلَى سَرَفٍ ".
وقال البهوتي الحنبلي في " كشاف القناع " (2/ 238) مقرراً مذهبَ الحنابلةِ في هذه المسألةِ: " وَلَوْ اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ عِدَّةَ خَوَاتِيمَ أَوْ مَنَاطِقَ وَنَحْوِهَا فَالْأَظْهَرُ جَوَازُهُ ".
عاشراً: النقشُ على الخاتمِ:
اتفق الفقهاءُ على جوازِ النقشِ على الخاتمِ، وعلى أنهُ يجوزُ نقشُ اسمِ صاحبِ الخاتمِ عليه [انظر: الموسوعة الفقهية (11/ 28)]، واختلفوا في تفاصيلِ ذلك وهي كما يأتي:
مسألة: هل يجوزُ نقشُ لفظِ الجلالةِ أو ألفاظِ الذكرِ؟
قال الحنفيةُ والمالكيةُ والشافعيةُ: يجوزُ أن ينقشَ لفظُ الجلالةِ أو ألفاظُ الذكرِ على الخاتمِ [انظر: رد المحتار (5/ 230)، حاشية الخرشي (1/ 184)، المجموع (4/ 463)].
وذهب الحنابلةُ إلى كراهةِ ذلك.
قال المرداوي في" الإنصاف " (3/ 145): " وَيُكْرَهُ أَنْ يَكْتُبَ عَلَيْهِ يَعْنِي الْخَاتَمَ ذِكْرَ اللَّهِ - تَعَالَى - مِنْ قُرْآنٍ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ , وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ ".
مسالة: هل يجوزُ نقشُ الخاتمِ بصورةِ حيوانٍ؟
إن نقشَ على الخاتمِ صورةَ حيوانٍ لم يجز للنصوصِ الثابتةِ المستفيضةِ في تحريمِ التصويرِ.
قال الشيخ الرحيباني الحنبلي - رحمه الله - في " مطالب أولي النهى " (2/ 95): " (وحرم نقش صورة حيوان) على الخاتم (ولبسه بها) أي: الصورة كالثوب المصور "، وإلى هذا ذهب الأحنافُ ولكنهم قالوا: لا بأس في نقش ذي الروح إن كان صغيراً بحيث لا يبصر عن بعد.
¥