تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أما الخلف وخاصة في هذا الزمان فيرون هذا من الغلو والتشدد، ويدعون إلى مخالطة أهل البدع ومحبتهم، وعدم بغضهم، ويزعمون أن في هذا حصول الاجتماع وعدم الإفتراق وما علموا أن الإفتراق إذا كان بحق فهو مأمور به من الشارع الحكيم، ولم يحصل لهم ما أرادوا، بل زاد الإختلاف، وقوي أهل البدع، وصاحوا ببدعتهم، وظلم أهل السنة وضيق عليهم من أهل الزيغ، وذنب أهل السنة والجماعة عند هؤلاء أنهم تمسكوا بالكتاب والسنة على فهم السلف الصالح، وكرهوا المذاهب الوافدة على عقيدتنا وعلى بلادنا بعد أن زاغ معها كثير من الناس، وقد ثبت في (صحيح مسلم) في كتاب الجهاد عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: " لست تاركاً شيئاً كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل به إلا عملت به إني أخشى إن تركت شيئاً من أمره أن أزيغ ".

وقد انتهيت من كتابة هذه الرسالة التي بعنوان (التعقبات على كتاب منة المنعم في شرح صحيح مسلم) في صباح يوم الأربعاء الموافق 1/ 12 / 1425 من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

كتبه: عمر بن عبد الله بن عاتق الحربي

التعقب الأول:

في كتاب (الصلاة) عند شرح حديث ابن عمر رضي الله عنهما رقم (547) وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى ".

قال الشارح:

(قوله: " فإن الله قبل وجهه " أي: إنه مقبل عليه بالرحمة والرضوان).

أقول:

هذا تحريف لمعنى الحديث لأنه خلاف ظاهر النص وما كان مخالفاً لظاهر النص فإنه يحتاج إلى دليل ولا دليل على ذلك.

ولا منافاة بين معنى العلو والمقابلة، فقد يكون الشيء عالياً وهو مقابل، لأن المقابلة لا تستلزم المحاذاة، فإن الرجل ينظر إلى القمر فيقول إنه قبل وجهي مع أنه في السماء، فإذا جاز هذا في حق المخلوق ففي حق الخالق أولى، ثم لو فرض أن بين معنى العلو والمقابلة تناقضاً وتعارضاً في حق المخلوق؛ فإن ذلك لا يلزم في حق الخالق؛ لأن الله تعالى ليس كمثله شيء في جميع صفاته، فلا يقتضي كونه قبل وجه المصلي أن يكون في الحائط الذي يصلي إليه لوجوب علوه بذاته ولأنه لا يحيط به شيء من المخلوقات بل هو بكل شيء محيط، فقوله صلى الله عليه وسلم: " فإن الله قبل وجهه " هذا تعليل للنهي عن البصاق في قبلة المصلي بأن الله سبحانه " قبل وجهه" أي: مواجهه، وهذه المواجهة كما يليق بالله سبحانه، لا يلزم منها أنه سبحانه مختلط بخلقه بل هو فوق سماواته مستو على عرشه وهو قريب من خلقه محيط بهم.

التعقب الثاني:

في كتاب (الإيمان) تحت حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه رقم (312) وفيه قال موسى عليه السلام: " رب فأعلاهم منزلة؟ قال: أولئك الذين أردت، غرست كرامتهم بيدي ". الحديث.

قال الشارح:

(" غرست كرامتهم بيدي " أي: توليت أنا إعداد ما يكرمون به من الغرس، وهو وضع الشجر وزرعه في الأرض).

أقول:

مذهب أهل السنة والجماعة: أن لله تعالى يدين اثنتين حقيقيتين وهما من صفاته الذاتية الثابتة له على الوجه اللائق به.

وقد دل على تبوتهما الكتاب والسنة. فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: (ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي) (سورة ص: آية 75). ولا يصح أن يكون المعنى توليت أنا خلق آدم، فإن الله قد تولى خلق إبليس، ولو صح هذا لصح أن يقال: إن الله خلق إبليس بيده ونحو ذلك وهذا ممتنع؛ فإن الله تعالى أكرم آدم بأن خلقه بيديه، ولم يكرم إبليس بهذا.

ومن أدلة السنة: هذا الحديث الذي حرف معناه الشارح. فإن قوله تعالى في الحديث: " غرست كرامتهم بيدي " فيه إثبات صفة اليدين لله تعالى ولا يجوز تحريف معناها إلى القوة أو الذات؛ لأن الله تعالى خلق الجنة وخلق النار وخص الله تعالى الجنة بأن غرس كرامة أهلها بيده. والواجب الإيمان بظاهر الحديث ولا يجوز صرف الكلام عن حقيقته بلا دليل.

تنبيه:

وردت صفة اليدين في النصوص مضافة إلى الله تعالى على ثلاثة أوجه:

الوجه الأول: الإفراد مثل قوله تعالى: (تبارك الذي بيده الملك) (سورة الملك: آية 1).

الوجه الثاني: التثنية ومن أمثلة التثنية قوله تعالى: (بل يداه مبسوطتان) (المائدة: 64).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير