تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الوجه الثالث: الجمع مثل قوله تعالى: (أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاماً فهم لها مالكون) (سورة يس: آية 71).

ومن المعلوم في لغة العرب أن الإفراد لا ينافي التثنية والجمع؛ لأن المفرد المضاف يعم فيصدق على الواحد والمتعدد، وعليه فلا منافاة بين الإفراد وبين التثنية والجمع.

وأما الجمع بين ما جاء بلفظ التثنية وبلفظ الجمع؛ فإن قلنا: أقل الجمع اثنان فلا منافاة بين صيغتي التثنية والجمع. وإن قلنا أقل الجمع ثلاثة وهو المشهور عند أهل أصول الفقه فالجمع بينهما أن يقال: إنه لا يراد من صيغة الجمع مدلولها الذي هو ثلاثة فأكثر، وإنما أريد بها التعظيم؛ فإن الجمع أدل على التعظيم من الإفراد والتثنية.

التعقب الثالث:

في كتاب (الزكاة) عند شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه رقم (1014) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما تصدق أحد بصدقة من طيب ـ ولا يقبل الله إلا طيب ـ إلا أخذها الرحمن بيمينه ـ وإن كانت تمرة ـ فتربوا في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربي أحدكم فلوه أو فصيله ".

قال الشارح:

(" أخذها الرحمن بيمينه " عبارة عن غاية الرضا والقبول وذكر اليمين للتشريف والتعظيم وكلتا يدي الرحمن يمين). أنتهى كلامه.

أقول:

الواجب الإيمان بظاهر الحديث، ولا يجوز تحريف معناه إلى الرضا والقبول. وهذا الحديث من أدلة أهل السنة والجماعة على أن لله تعالى يدين اثنتين حقيقيتين على الوجه اللائق به. وقد سبق توضيح هذا في التعقب الثاني.

أما قول الشارح: (وذكر اليمين للتشريف والتعظيم) فيقال: المضاف إلى الله تعالى إما أن يكون شيئاً قائماً بنفسه وإما أن يكون غير قائم بنفسه فإن كان قائماً بنفسه فهو مخلوق، وليس من صفاته، كناقة الله والإضافة هنا للتشريف، وإما من باب إضافة المملوك والمخلوق إلى مالكه وخالقه.

وإن كان المضاف إلى الله غير قائم بنفسه فهو من صفاته وليس بمخلوق، كيد الله وعلمه وعينه ونحو ذلك، واليمين المضافة إلى الله من هذا النوع، والإضافة هنا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.

التعقب الرابع:

في كتاب (صلاة التطوع) عند شرح حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، ومن يسألني فأعطيه، ومن يستغفرني فأغفر له ".

قال الشارح:

(قوله " ينزل ربنا " نزولاً يليق بجنابه المقدس، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم. أي: الإيمان بما ورد عن طريق الإجمال مع تنزيه الله سبحانه وتعالى عن الكيفية والتشبيه، وذهبت طائفة المتكلمين والمتأخرين إلى تأويله بأحد أمرين:

الأول: أن معنى " ينزل ربنا ": ينزل أمره لبعض ملائكته. والثاني: أن المراد منه الإقبال على الداعي بالإجابة واللطف والرحمة وقبول المعذرة.

والحق هو ما ذهب إليه السلف. قال البيهقي: (وأسلمها الإيمان بلا كيف والسكوت عن المراد إلا أن يرد ذلك عن الصادق فيصار إليه). نقله الحافظ في الفتح. والقدر الذي قصد إفهامه هنا معلوم وهو أن الثلث الأخير وقت استجابة، وعموم رحمة، ووفور مغفرة، فينبغي لطالب الخير أن يدركه).

أقول:

من معتقد أهل السنة والجماعة الإيمان بصفة نزول الله تعالى إلى السماء الدنيا، وهي من صفاته الفعلية التي تتعلق بمشيئته، وهو نزول حقيقي يليق بجلاله وعظمته.

أما قول الشارح: (أي الإيمان بما ورد عن طريق الإجمال مع تنزيه الله سبحانه وتعالى عن الكيفية والتشبيه).

فيقال:

لماذا الإيمان المجمل والحديث معناه واضح جلي، فإن قوله صلى الله عليه وسلم: " ينزل ربنا " فيه إضافة النزول إلى الله، والأصل أن الشيء إنما يضاف إلى من وقع منه أو قام به، وليس في هذا إجمال، بل هو في غاية التفصيل، ومذهب السلف الصالح الإيمان بما ورد في كتاب الله، وما ثبت في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من معاني نصوص الأسماء و الصفات من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل.

أما قوله: (وذهبت طائفة المتكلمين والمتأخرين إلى تأويله بأحد أمرين:

الأول: أن معنى ينزل ربنا أمره لبعض ملائكته.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير