ومما يدل على أن السبق بالصفات هو الأفضل قوله عليه الصلاة والسلام: ((نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض عليهم فاختلفوا فيه فهدانا الله، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غداً والنصارى بعد غد)) [3].
وقد اختلف العلماء في المراد بالسابقين الأولين على أقوال ستة:
الأول: أنهم الذين صلوا إلى القبلتين مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. قاله أبو موسى الأشعري وابن المسيب وابن سيرين وقتادة.
الثاني: أنهم الذين بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان وهي الحديبية. قاله الشعبي.
الثالث: أنهم أهل بدر. قاله عطاء بن أبي رباح.
الرابع: أنهم جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حصل لهم السبق بصحبته.
الخامس: أنهم السابقون بالموت والشهادة، سبقوا إلى ثواب الله تعالى قاله الماوردي.
السادس: إنهم الذين أسلموا قبل الهجرة [4].
والقول الراجح من هذه الأقوال ما قرره شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال بعد ذكره لقوله تعالى: {لاَ يَسْتَوِى مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ ?لْفَتْحِ وَقَـ?تَلَ} [الحديد:10] قال: "وهذه الآية نص في تفضيل المنفقين المقاتلين قبل الفتح على المنفقين بعده، ولهذا ذهب جمهور العلماء إلى أن السابقين في قوله تعالى: {وَ?لسَّـ?بِقُونَ ?لأوَّلُونَ مِنَ ?لْمُهَـ?جِرِينَ وَ?لأنْصَـ?رِ} هم هؤلاء الذين أنفقوا من قبل الفتح وقاتلوا، وأهل بيعة الرضوان كلهم منهم، وكانوا أكثر من ألف وأربعمائة، وقد ذهب بعضهم إلى أن السابقين الأولين هم من صلى إلى القبلتين، وهذا ضعيف، فإن الصلاة إلى القبلة المنسوخة ليس بمجرده فضيلة، ولأن النسخ ليس من فعلهم الذي يفضلون به، ولأن التفضيل بالصلاة إلى القبلتين لم يدل عليه دليل شرعي كما دل على التفضيل بالسبق إلى الإنفاق والجهاد والمبايعة تحت الشجرة، ولكن فيه سبق الذين أدركوا ذلك على من لم يدركه، كما أن الذين أسلموا قبل أن تفرض الصلوات الخمس هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم، والذين أسلموا قبل أن تجعل صلاة الحضر أربع ركعات هم سابقون على من تأخر إسلامه عنهم، والذين أسلموا قبل أن يؤذن في الجهاد أو قبل أن يفرض هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا قبل أن يفرض صيام شهر رمضان هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا قبل أن يفرض الحج هم سابقون على من تأخر عنهم، والذين أسلموا قبل تحريم الخمر هم سابقون على من أسلم بعدهم، والذين أسلموا قبل تحريم الربا كذلك، فشرائع الإسلام من الإيجاب والتحريم كانت تنزل شيئاً فشيئاً وكل من أسلم قبل أن تشرع شريعة فهو سابق على من تأخر عنه، وله بذلك فضيلة من أسلم قبل نسخ القبلة على من أسلم بعده هي من هذا الباب، وليس مثل هذا ما يتميز به السابقون الأولون عن التابعين، إذ ليس بعض هذه الشرائع أولى بمن يجعله خيراً من بعض، ولأن القرآن والسنة قد دلا على تقديم أهل الحديبية، فوجب أن تفسر هذه الآية بما يوافق سائر النصوص، وقد علم بالاضطرار أنه كان في هؤلاء السابقين الأولين أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وبايع النبي بيده عن عثمان، لأنه قد كان غائباً قد أرسله إلى أهل مكة ليبلغهم رسالته" [5].
المبحث الثاني: الثناء على أهل بدر:
أما الآيات التي أثنى الله عز وجل فيها على أهل بدر فمنها:
1 - قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ ءايَةٌ فِي فِئَتَيْنِ ?لْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَـ?تِلُ فِى سَبِيلِ ?للَّهِ وَأُخْرَى? كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مّثْلَيْهِمْ رَأْىَ ?لْعَيْنِ وَ?للَّهُ يُؤَيّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِى ذ?لِكَ لَعِبْرَةً لأوْلِى ?لأبْصَـ?رِ} [آل عمران:13].
قال ابن جرير الطبري: "يعني بذلك جل ثناؤه: قل ـ يا محمد ـ للذين كفروا من اليهود الذين بين ظهراني بلدك: قد كان لكم آية، يعني: علامة ودلالة على صدق ما أقول إنكم ستغلبون، والفئة الجماعة من الناس التقتا للحرب وإحدى الفئتين: رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن كان معه ممن شهدوا وقعة بدر والأخرى مشركوا قريش {فِئَةٌ تُقَـ?تِلُ فِى سَبِيلِ ?للَّهِ} جماعة تقاتل في طاعة الله وعلى دينه، {وَأُخْرَى? كَافِرَةٌ} هم مشركو قريش" [6].
¥