قال ابن جرير رحمه الله: "وقوله: {وَمَنْ أَوْفَى? بِمَا عَـ?هَدَ عَلَيْهِ ?للَّهَ} يقول تعالى ذكره: ومن أوفى بما عاهد الله عليه من الصبر عند لقاء العدو في سبيل الله ونصرة نبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه، {فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} يقول: فسيعطيه ثواباً عظيماً، وذلك أن يدخله الجنة جزاء له على وفائه بما عاهد عليه الله، ووثق لرسوله على الصبر معه عند البأس بالمؤكدة من الإيمان" [24].
4 - قال تعالى: {لَّقَدْ رَضِيَ ?للَّهُ عَنِ ?لْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ?لشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ?لسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَـ?بَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً R وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا وَكَان ?للَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} [الفتح:18، 19].
قال أبو بكر الجصاص: "فيه الدلالة على صحة إيمان الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم بيعة الرضوان بالحديبية، وصدق بصائرهم، فهم قوم بأعيانهم ... فدل على أنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة، أولياء الله، إذ غير جائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة وصدق الإيمان، وقد أكد ذلك بقوله: {فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ فَأنزَلَ ?لسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ} يعني: الصبر بصدق نياتهم وهذا يدل على أن التوفيق يصحب صدق النية وهو مثل قوله: {إِن يُرِيدَا إِصْلَـ?حاً يُوَفّقِ ?للَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء:35] " [25].
ومما ورد في فضل أهل بيعة الرضوان في السنة المطهرة:
1 - عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية: ((خير أهل الأرض)) وكنا ألفاً وأربعمائة، ولو كنت أبصر لأريتكم موضع الشجرة [26].
قال الحافظ ابن حجر: "هذا صريح في فضل أصحاب الشجرة فقد كان من المسلمين إذ ذاك جماعة بمكة وبالمدينة وبغيرهما" [27].
2 - وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: أخبرتني أم مبشر: أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: ((لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذي بايعوا تحتها)) قالت: بلى يا رسول الله، فانتهرها فقالت حفصة: {وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قد قال الله عز وجل: {ثُمَّ نُنَجّى ?لَّذِينَ ?تَّقَواْ وَّنَذَرُ ?لظَّـ?لِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً} [مريم:72])) [28].
قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد الذين بايعوا تحتها)) قال العلماء: معناه لا يدخلها أحد منهم قطعاً ... وإنما قال: ((إن شاء الله)) للتبرك لا للشك" [29].
3 - عن جابر أن عبداً لحاطب جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطباً فقال: يا رسول الله ليدخلن حاطب النار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كذبت، لا يدخلها، فإنه شهد بدراً والحديبية)) [30].
4 - عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من يصعد الثنية، ثنية المراد، فإنه يُحَط عنه ما حُطّ عن بني إسرائيل)) قال: فكان أول من صعدها خيلنا خيل بني الخزرج، ثم تتام الناس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلكم مغفور له إلا صاحب الجمل الأحمر)) فأتيناه فقلنا له: تعال يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله لأن أجد ضالتي أحب إلي من أن يستغفر لي صاحبكم، قال: وكان رجلاً ينشد ضالة له [31].
[1] انظر: أحكام القرآن لابن العربي (2/ 1002) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (8/ 237).
[2] المفردات (228).
[3] أخرجه البخاري في كتاب الجمعة باب فرض الجمعة (876)، ومسلم في كتاب الجمعة باب: هداية هذه الأمة ليوم الجمعة (855) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[4] انظر: زاد المسير في علم التفسير لابن الجوزي (3/ 490 - 491).
[5] منهاج السنة النبوية (1/ 154 - 155)، وانظر: شرح الطحاوية (ص 530).
[6] جامع البيان (3/ 193 - 194).
[7] منهاج السنة (1/ 156).
[8] الجامع لأحكام القرآن (8/ 42).
[9] روضة خافي: موضع بين مكة والمدينة بقرب المدينة.
[10] أخرجه البخاري في الجهاد والسير باب الجاسوس (3007) وأخرجه مسلم في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل أهل بدر (2494).
[11] فتح الباري (7/ 305 - 306).
¥