قال ابن حبان: "وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((ألا ليبلغ الشاهد منكم الغائب)) أعظم دليل على أن الصحابة كلهم عدول ليس فيهم مجروح ولا ضعيف، إذ لو كان فيهم أحد غير عدل لاستثنى في قوله صلى الله عليه وسلم وقال: ((ألا ليبلغ فلان منكم الغائب))، فلما أجملهم في الذكر بالأمر بالتبليغ من بعدهم دل ذلك على أنهم كلهم عدول، وكفى بمن عدله رسول الله صلى الله عليه وسلم شرفاً" [16].
وقد مرت الآيات والأحاديث الدالة على تعديلهم في الفصلين الثالث والرابع فيرجع إليها.
المبحث الخامس: ترتيب الصحابة في الفضل والإمامة:
تعريف الإمامة لغة:
قال ابن منظور: "والإمام كل من ائتم به قوم كانوا على الصراط المستقيم أو كانوا ضالين ... والجمع أئمة ... وإمام كل شيء قيّمه والمصلح له، والقرآن إمام المسلمين، وسيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة، والخليفة إمام الرعية، وإمام الجند قائدهم ... وأممت القوم في الصلاة إمامة وائتم به أي: اقتدى به، وإمام الغلام في المكتب ما يتعلم كل يوم. ويقال فلان إمام القوم معناه هو المتقدم لهم، ويكون الإمام رئيساً كقولك: إمام المسلمين" [17].
تعريف الإمامة اصطلاحا:
عرفها العلماء بتعريفات مختلفة من حيث اللفظ، متحدة في المعنى، ومضمون تعريفاتهم: أنها سياسة الإمام التي يجب أن تكون وفق الشريعة الإسلامية الغراء التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، ويكون بعيداً عن الحكم بالهوى والشهوة في كل حال ولا بد أن يكون حكمه بالشرع في كل الأمور الدينية والدنيوية، حتى يصدق عليه أنه نائب عن الرسول صلى الله عليه وسلم في حراسة الدين وسياسة الدنيا بالقيام بشرع الله الذي أوحاه الله إلى رسوله صلى الله عليه وسلم من كتاب وسنة، ولفظ الإمام والخليفة والأمير ألفاظ الحديث النبوي [18].
عقيدة أهل السنة في ذلك:
وعقيدة أهل السنة والجماعة في ترتيب الخلفاء الأربعة في الإمامة كترتيبهم في الفضل، فالإمام بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق ثم عمر الفاروق ثم عثمان ذو النورين ثم أبو السبطين علي رضي الله عنهم أجمعين، فأهل الحق يعتقدون اعتقاداً جازماً لا مرية فيه ولا شك أن أولى الناس بالإمامة والأحق بها بعد النبي صلى الله عليه وسلم هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، روى أبو عمر بن عبد البر بإسناده إلى عباد السماك قال: سمعت سفيان الثوري يقول: الأئمة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعمر بن عبد العزيز وما سوى ذلك فهم منتزون [19]. قال أبو عمر: "قد روى عن مالك وطائفة نحو قول سفيان هذا، وتأبى جماعة من أهل العلم أن تفضل عمر بن عبد العزيز على معاوية لمكان صحبته" [20].
[1] الجامع لأحكام القرآن (18/ 32).
[2] أخرجه الترمذي في كتاب المناقب باب: فيمن سب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم (3862) والحديث ضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي برقم (808) وقال عنه الترمذي: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
[3] أخرجه البخاري في كتاب الإيمان باب: علامة الإيمان حب الأنصار (17)، ومسلم في كتاب الإيمان باب: الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه (74).
[4] أخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب: الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه (76).
[5] أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب: حب الأنصار (3783)، وأخرجه مسلم في كتاب الإيمان باب الدليل على أن حب الأنصار وعلي رضي الله عنه (75).
[6] أخرجه مسلم في كتاب التفسير باب حدثنا يحي بن يحي .. (3022).
[7] شرح النووي على صحيح مسلم (18/ 158 - 159).
[8] أسنده الطبري في جامع البيان (28/ 44 - 45).
[9] أخرجه البخاري في كتاب المناقب باب مناقب عمر بن الخطاب رضي الله عنه (3679).
[10] أخرجه البخاري في كتاب المغازي باب فضل من شهد بدراً (3982).
[11] لسان العرب (11/ 430).
[12] القاموس المحيط (4/ 13).
[13] انظر: جامع البيان للطبري (2/ 7)، الجامع لأحكام القرآن (2/ 153)، تفسير القرآن العظيم (1/ 335).
[14] انظر: الجامع لأحكام القرآن (16/ 399).
[15] أخرجه البخاري في كتاب العلم باب: ليبلغ العلم الشاهد الغائب (105) وأخرجه مسلم في كتاب: القسامة والمحاربين والقصاص والدبات باب: تغليط تحريم الدماء والأعراض والأموال (1679).
[16] انظر: الإحسان بترتيب صحيح بن حبان (1/ 91).
¥