تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يدل على أن التجربة ممدوحة و انه يمكن أن يعلق الحكم بها ما صح – وهو فى الصحيحين – فى قصة معراج النى صلى الله عليه وسلم الى السماء و مراجعة موسي عليه السلام للنبى صلى الله عليه وسلم فى فرض الصلاوات لما سأله ماذا أعطاك ربك؟ قال أمرنى بخمسين صلاة فى اليوم والليلة قال موسي: ارجع إلى ربك فسأله التخفيف فإنى جربت الناس قبلك و انى عالجت بنى اسرائيل أشد المعالجة و أن أمتك لن تستطيع. . . فستدل بالتجربه لأنه جرب الناس قبل النبى صلى الله عليه وسلم، و من عادة أكثر الناس أن تنفسخ عزائمهم، فإذا فرض عليهم خمسون صلاة ضيعها. و قد ضيع كثير من الناس الصلاوات الخمس مع خفة مؤنتها وعظيم أجرها.

و كان عمر بن الخطاب يقول: " إن من ضيع الصلاة فهو لما سواها أضيع ". فتأمل حال أي رجل عق ربه تبارك و تعالى و ترك الصلاة التى هى أعظم الأركان العملية مطلقا و التى لا تسقط أبدا عن العبد إلا بالجنون المطبق، حتى أن الفقهاء قالوا إذا أفاق العبد لزمته الصلاة، و كثير من الناس لا تجب عليه الزكاة لفقره أو لا يحب عليه الصيام لمرضه أو لا يحب عليه الحج لعجزه – ليس عنده زاد و لا راحلة – فيسقط كل هذا من العاجز إلا الصلاة، قال صلى الله عليه وسلم: " صلى قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب " بل رخص فى الإيماء - و الايماء يكون بالرأس فقط و ليس بتحريك الجزع كما يفعل الكثيرون – فالذي عق ربه ووقع فى هذه الكبيرة لو نظرت إلى حياته لوجته غير وفي لأنه عق ربه تبارك و تعالى و كل نعمة و كل خير يرفل فيها هذا العبد انما هى من الله " و ما بكم من نعمة فمن الله " سبحانه وتعالى.

فالقصد أن موسي عليه السلام رجع إلى التجربة ووعظ النبي صلى الله عليه وسلم بما سلف له مع الناس و هذا باب نافع يحتاج إليه أهل العلم و طلبة العلم أحوج من غيرهم لأنهم يلابسون الناس و يحتاجون إلى طريق أهل العلم فى معالجة الناس على إختلاف صنوفهم.

يقول ابن الجوزي في بيان سبب الغفلة و قسوة القلب و تبخر أثار الموعظة:

" قد يعرض عند سماع المواعظ للسامع يقظة، فإذا انفصل عن مجلس الذكر عادت القساوة و الغفلة! فتدبرة السبب في ذلك فعرفته.

ثم رأيت الناس يتفاوتون في ذلك، فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفته من اليقظه عند سماع الموعظة و بعدها، لسببين:

و هذا كلام رجل مجرب، ابن الجوزي اشهر واعظى الاسلام قاطبة، وله فى الوعظ كلام كان يقوله على البديهة تحار فيه القلوب، و ما أعلم واعظ رزق كثرة السامعين و تأثرهم مثله فكان يحضر مجلسه الخليفة فى مقدمة الحضور و كان يحضر مجلسه أكثر من 100 ألف و أسلم على يدية أكثر من 200 ألف و اما العصاة اللذين رجعوا عن المعاصي لوعظه و قوة لفظه و جرسه فحدث و لاحرج بالألوف المؤلفة و له كتب فى الوعظ كثيرة.

يقول ابن الجوزي:

فالحالة العامة أن القلب لا يكون على صفته من اليقظه عند سماع الموعظة و بعدها، لسببين:

أحدهما: أن المواعظ كالسياط، و السياط لا تؤلم بعد انقضائها إيلامها وقت و قوعها.

و انت تجد الفرق بين سماع الموعظة المباشرة و بين سماع الشريط لهذة المحاضرة، فأنت الأن تسمع الكلام يؤثر فيك، قلبك مفتوح و اذنك – الطريق المباشر للقلب – مفتوحة، فإذا اخذت الشريط بعد انتهاء المحاضرة إلى البيت لسماعه تكون إما مشغولا أو نائما أو مشغول بفكرة معينة فيذهب نصف تركيزك فلا يكون للكلام ذلك الوقع بسبب اختلاف الحالة قبل الكلام و بعده.

مثلا: اذا جئت إلى المسجد فوجدت مسرحا و مجموعة من الممثلين يريدون التمثيل فماذا يكون رد فعلك حتى و لو لم تكن من أهل الالتزام؟؟ تغضب أشد الغضب.

فإذا عكسنا المثال، أي مسرحا ثم انفرج الستار عن واحد مثلى يعظ الناس، يقول لهم " الموت قادم " عنوان المحاضرة. . . سيغضب الحاضرون و يثورون. . . لماذا؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير