) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).
) يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً. (
) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)
ثم أما بعد000
فإن اصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عله وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعه، وكل بدعة ضلاله، وكل ضلالة في النار0
فمن القواعد المتفق عليها عند جميع أهل الملل، أن الله تبارك و تعالي إنما يشرع الشيء لمصلحة العباد، و لذلك جائت الشرائع كلها لتحصيل المصالح و تكثيرها و تقليل المفاسد وإعدامها ما أمكن.
و لا تتأتى مصالح العباد إلا بأن يكون التشريع مشتملا لأضعفهم فلا تتم المصالح إلا بمراعاة الأضعف، فالنبى صلى الله عليه وسلم لما قال له عثمان ابن أبى العاص رضي الله عنه: " يارسول الله إجعلنى إمام قومى " قال: إذهب فأنت إمامهم و إقتدي بأضعفهم. "
لأن مراعاة الأضعف لا يضر القوي إذ يستطيع تحصيل ما يحصله الضعيف، إنما لو كان الشرع على قدر القوي لراح الضعيف. لذلك كان من سمت ديننا " اليسر " الذى يتسطيعه الأضعف. فقال تبارك و تعالى: " و ما جعل عليكم فى الدين من حرج " و (من) هنا للتبعيض، يعنى لا يوجد بعض الحرج، لذلك إذا نظرت إلى الأوامر والنواهى تري هذه الرحمة وهذا اليسر، كل ما نهاك الله عنه ففي إمكانك أن تنتهى، لذلك يعذب الذى يفعل ما نهى عنه، و لو كان النهى ليس فى طاقة العبد لما عذبه، إنما يعذبه على ما فى مكنته و قد نهاه عنه، فجميع النواهى بإمكان العبد أن يتركها، إنما الأوامر فهى كثيرة و متنوعة، كل ما أوجبه الله على العبد بإمكانه أن يفعله، وكل ما ندبه و استحبه له لا يفعله إلا القلائل، و أوضح:
كل ما أوجبه الله أمر إيجاب على العبد بمعنى أنه يعذب إذا لم يفعل ... ففى امكان العبد أن يفعل، إذ لا يتصور أن يأمره بما لا يطيق ثم يعذبه، فإن التكليف بما لا يطاق ليس من مذهب أهل السنة والجماعة، إن الله تبارك وتعالى لا يأمر إلا بما فى إمكان العبد أن يفعل و لذلك كان هذا النوع من الأوامر فعله من أحب ما يتقرب إلى الله به، قال تبارك و تعالى فى الحديث القدسي: " و ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلىّ مما افترضته عليه " إذا ما أمرت به على سبيل الفرض و الإيجاب لا خيار لك في الترك إنما لا بد لك أن تفعل (لأنه بإمكانك أن تفعل) لذلك يعذبك على الترك.
و المناهى التى نهاك عنها نهى تحريم فيفعلها العبد يعذبه على الفعل (لأنه بإمكانه أن يمتنع).
أما المستحبات التى لا آخر لها فإن العبد يثاب بقدر ما يفعل و لا يؤاخذ مؤاخذة تقصيره ف الفرض، و ذلك ظاهر فى قوله تعالى فى الحديث القدسي: " و لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ". هذا الحب و ليد فعل الفرض أم و ليد فعل النوافل؟
قال أولا: " و ما تقرب إلى عبدي بشيء أحب إلىّ مما افترضته عليه " هذا هو الفرض الذي يجب أن يفعله، ثم قال تبارك وتعالى: " و لا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه " فهذا الحب اذا وليد النافلة، لأنه لا يتصور أن يكون هناك رجل مقصر فى الفرض وهو مجد فى النافلة.
إذا أردت أن تعلم مدي إلتزام العبد انظر إليه فى النوافل، إن رأيته على قدم وساق فاعلم أنه يفعل الفرض سكما أمر، فلا يتصور أن يتصدق إنسانا وهو مدين، لذلك كان تأدية النافلة علامة على الإلتزام، و هى التى استجلبت للعبد حب الله تبارك وتعالى. و لله المثل الأعلى: " لو تصروت أن لك خادما و تعطيه أجرا على هذه الخدمة، فإنك إذا أمرته أمتثل. . تحبه؟ تحبه.
فإذا عاشرك هذا الخادم فترة طويلة و عرف مواضع غضبك ورضاك فصار يفعل لك ما تحب و يتجنب ما تكره من غير ما تأمره ... أتزداد له حبا أم لا؟ تزداد له حبا.
¥