تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولم يمثل كتاب المنهاج مجرد سرد لمعلومات السابقين، بل نجد صاحبه حريصا على التعمق في أثناء بحث مسائل الكتاب، فهو إنما يعيد ما بناه السابقون ويقوي دعائمه، مما أكسبه الشهرة الواسعة في عصره وثناء المعاصرين عليه، مما سنذكره في الفصول اللاحقة بإذن الله.

ويجدر بنا أن نذكر أنه أخلى القواعد التي يبحثها من الشواهد والأمثال في غالب الأمر، مما زاد طريقته المنطقية غموضا، ولكن، مهما تكن صعوبة المنهاج فإنه استطاع في القرن 7/ 13 أن يكمل بوضوح سائر كتب النقد والبلاغة المعروفة في ذلك العصر.

3 - أسلوب الكتاب

استدرك حازم هذا النقص - الذي نتج عن قلة الاستشهاد والاستدلال - بأسلوبه الرائع في التأليف. يدل على ذلك قول ابن القوبع الذي أورده محقق المنهاج في المدخل. فكلامه متسق سلس، فيه ميل إلى التفصيل والتحليل عند قصد شرح المسائل المعقدة. ولم يلجأ حازم إلى التشويق في أثناء إيراد المسائل، كما نرى ذلك عند ابن رشيق في العمدة، بل أراد أن يكون كتابه علميا، يتصف بالجد والبساطة، معتمدا في الغالب على الجمل القصيرة. وإذا قصد إطالتها، نسج فيها جملا اعتراضية على وجه بديع من الترابط والائتلاف التام فيما بينها، ولكنها مع ذلك أكثر وضوحا من غيرها. والمثال على ذلك قوله في الفصل الخامس من النهج الثالث للقسم الرابع الأخير من الكتاب: "لما كانت الأغراض الشعرية يوقع في واحد منها الجملة الكبيرة من المعاني والمقاصد وكانت لتلك المعاني جهات فيها توجد مسائل منها تقتنى كجهة وصف المحبوب وجهة وصف الخيال وجهة وصف الطلول وجهة وصف يوم النوى وما جرى مجرى ذلك في غرض النسيب وكانت تحصل للنفس بالاستمرار على تلك الجهات والنقلة من بعضها إلى بعض بكيفية الاطراد في المعاني صورة وهيئة تسمى الأسلوب وجب أن تكون نسبة الأسلوب إلى المعاني نسبة النظم إلى الألفاظ".

4 - تأثره بالثقافة اليونانية ومزجها بالثقافة العربية

نلحظ بين النقاد القدامى من اعتنى بكتاب الشعر لأرسطو – مثل قدامة وابن رشيق، كما نلحظ منهم قلة قليلة قصدت إلى الجمع بين الطريقتين الهيلينية والعربية والمقارنة بينهما، مثل ابن الهيثم (المتوفى سنة 430/ 1038)، ومترجمنا حازم القرطاجني. فكتاب الشعر لأرسطو قد أثر تأثيرا عميقا في عمل صاحب المنهاج، حيث جهد أن ينتفع بهذا الكتاب – أو بالصور التي عرفها منه – أعظم انتفاع.

والمثال على ذلك ما نجده من كلام حازم في القسم الثاني من كتابه "عما به تتقوّم صنعتا الشعر والخطابة من التخييل والإقناع"، وقد أكثر فيه القرطاجني الاهتمام بالصناعة الشعرية، فهو يعرف الشعر بأنه "كلام موزون مقفى من شأنه أن يحبب إلى النفس ما قصد تحبيبه إليها، ويكرّه إليها ما قصد تكريهه لتحمل بذلك على طلبه أو الهرب منه، بما يتضمن من حسن تخييل له، ومحاكاة مستقلة بنفسها أو متصورة بحسن هيئة تأليف الكلام أو قوة صدقه أو قوة شهرته أو بمجموع ذلك". "وهو ينقل في هذا الفصل كثيرا عن الفارابي وابن سينا، ويزيد على ما ينقله محاولة جديدة لتحديد معنى التخييل وتفصيل أنواعِه ووصف عمل الشاعر فيه. وفي ذلك كله نجد التأثير اليوناني واضحا، بل نجد كلام حازم استمرارا لكلام ابن سينا، لولا أن هذا فيلسوف يكتب في الشعر، وذاك شاعر يعتمد على الفلسفة. وكما يصرح حازم بذكر ابن سينا والفارابي يشير إلى أرسطوطاليس مؤكدا أن القوانين التي وضعها غير كافية لأن تطبق على أشعار العرب".

و تقسيم حازم للشعر إلى طريقتين – طريقة الجد وطريقة الهزل يوحي باستفادته من أرسطو. وكان متى مترجم كتاب الشعر قد أشاع ترجمة "الكوميديا والتراجيديا" بالمدح والهجاء، وأوقع ذلك في الخطأ من جاء بعده. فنرى ابن سينا يعبر عن هاتين الطريقتين بـ"الطراغوذيا والقوموذيا"، وابن رشد يستبقيهما. "ويبدو أن كلمتي "المديح والهجاء" قد أوقعتا قدامة أيضا في شيء من الاضطراب، إذ ترك ذكر الفخر في فنون الشعر، وعد الرثاء لونا من المديح." وحرص حازم على أن ينتفع من الشعر اليوناني في هذا الباب، فاعتمد على ما لاحظه أرسطو من أن الشعراء الأخيار مالوا إلى محاكاة الفضائل، بينما مال الأرذال إلى محاكاة الرذائل، وما فهمه من تلخيص ابن سينا أن التراجيديا محاكاة ينحى بها منحى الجد والكوميديا محاكاة ينحى بها منحى الهزء والاستخفاف، فجعل ذلك عمدة في تقسيم الشعر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير