تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العربي إلى طريقتين – الجد والهزل. واستطاع حازم بهذا أن يطبق بإخلاص تقسيم أرسطو هذا للشعر اليوناني على الشعر العربي الغنائي.

وفصل القول في هذه القضية أن كتاب المنهاج يمثل ملتقى التيارين العربي واليوناني، حيث أحسن حازم في الاستفادة من الثقافة اليونانية ومزجها بالعربية، مع ملاحظة أن التيار اليوناني كان غالبا عليه.

5 - منزلته بين الكتب البلاغية والنقدية الأخرى

عد الزركشي تفسير ابن النقيب وكتاب منهاج البلغاء وسراج الأدباء لحازم الأندلسي أجمع كتب في علم البيان والبديع. وقد جاء حازم في أخريات ازدهار الثقافة العربية في الأندلس والمغرب، ولا نجد عنده التأثر بضعف أمر المسلمين آنذاك، بل سجل لنا ناحية واسعة من نواحي نضج العصر الذي كان قد أوشك نجمه بالغروب.

ويعتبر بعض الباحثين هذا الكتاب ختاما للدراسة البلاغية والنقدية الجادة (باستثناء العصر الحديث)، كما أن علمي الفلسفة والاجتماع لم يتقدما خطوة بعد ابن رشد وابن خلدون. ويمثل كتاب منهاج البلغاء قمة من قمم النقد الأدبي عند العرب؛ فصاحبه قد اطلع على أفضل ثمار النقد إلى عصره – حيث نجد أنه يشير إلى آراء الآمدي (371/ 981) والخفاجي (466/ 1073) وغيرهما. وهذا الكتاب قد توج واستدرك جملة تآليف هذا الفن التي تقدمته. وفوق كل ذلك نجد لحازم آراء أصلية ونظريات شخصية لم يتطرق إليها غيره، حيث ينبِّهنا على ذلك بنفسه.

ويظهر لنا عند قراءة آخر موضع وصل إلينا من كتابه، وهو "معرف دال على طرق المعرفة بمبلغ هذا الكتاب من أصول هذه الصناعة أن صاحبه يقصد إلى "بلاغة تعضدها الأصول المنطقية الحكمية"؛ "فنتبين من ذلك جليا أن لكتاب حازم من علم البلاغة ناحية خاصة يحتلها من بين الكتب المشهورة، ويمكن أن ننزلها من العلم منزلة الأصول من الفروع، أو منزلة فلسفة العلم من العلم، كمنزلة رسالة الإمام الشافعي من علم الفقه، أو منزلة مقدمة ابن خلدون من علم التاريخ

6 - قلة اهتمام الناس بهذا الكتاب وسبب ذلك

رأينا فيما سبق قيمة كتاب المنهاج وتفوقه على الكتب البلاغية والنقدية التي سبقته. ولكنه مع كل هذا لم ينل ما يستحقه من اهتمام العلماء على مد العصور. فقد ظل شبه مجهول إلى هذا العصر، فوصل إلينا مبتورا، منقوصا، في نسخة لا ثاني لها. ويعيد الباحثون هذا الأمر إلى عدة أمور. فالأدب قد بدأ بالانهيار بعد عصر حازم، مما أدى إلى إهمال هذا الكتاب. ونجد على ذلك دليلا في كلام القرطاجني حيث أشار إلى هوان منزلة الشعر في المجتمع؛ فكان من سوء حظ هذا الكتاب أننا لا نرى خلفا لنظريات حازم في العصور التي تلت عصره، بل لا نرى من أحسن الانتفاع به.

ورأى العلامة الدكتور محمد الفاضل ابن عاشور أن السبب في ذلك تفرد حازم بنظرية علم "أصول البلاغة" أو "فلسفة البلاغة". وقال في هذا الصدد: "وهذا إنما يرجع إلى التناسب الوضعي، كان رابطا بين الفنون والكتب، في وحدة الثقافة الإسلامية: هو الذي بمقتضاه اتخذ كل فن من الفنون: الشرعية، والأدبية، والحكمية، زيادة على كيانه الذاتي، قواما تناسبيا في ما يصل عامة الفنون بعضها ببعض، في الغايات العملية، الراجعة إلى عمود الثقافة الإسلامية: وهو المعرفة العالَمية الكلية. فإن كل علم من العلوم قد اكتسب من استناده إلى العلوم الأخرى، من فصيلته ومن غير فصيلته، ما جعله، في غاياته واستمداداته، مرتبطا بوضع عام تتصرّف بمقتضاه العلوم تصرفا تناسبيا توالديا، لا يتمكن بعده لعلم منها أن ينفصل عن وحدة الحركة التصرّفية، حتى يضرب عليه بذلك حاجز يحجزه عن أن يمتدّ بعيدا، إلى ناحية يحتلّ بامتداده إليها وضعه من سائر العلوم المنتظمة معه في الوحدة الكبرى. ويكون ذلك قاضيا على محاولات كثيرة تتّجه إلى أن تدخل على علم من العلوم توجيهات، وأنظارا، تعتمد في استنباطها على صميم العلم بذاته، ولا تلوي على نواحي الترابط التي بينه وبين غيره، فتأتي الحركة الكبرى، في مدارها الأوسع، نافية لتلك العناصر الجديدة، التي لم تتخذ لنفسها ما يصلها بمدار الحركة، ويزلفها إليه. فبذلك تبقى خارج المدار، منفردة، تسبح، حول نفسها سبحا طويلا، لا تزال تبتعد به عن الاتصال بما تهفو إلى الاتصال به، حتى تتضاءل، وتختفي، ثم تهوي في كلالة، إلى الأفق المظلم، الذي يزخر بأوضاع فكرية كثيرة، لم تستطع الثبات حول المدار الأوسع، في

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير