ـ عن عبيد مولى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أن امرأتين صامتا وأن رجلا قال: يا رسول الله إن ها هنا امرأتين قد صامتا وإنهما قد كادتا أن تموتا من العطش، فأعرض عنه أو سكت ثم عاد، (وأراه قال: بالهاجرة) قال: يا نبي الله إنهما والله قد ماتتا أو كادتا أن تموتا، قال: ادعهما، قال: فجاءتا، قال: فجيء بقدح أو عس فقال لإحداهما: قيئي فقاءت قيحا أو دما وصديدا ولحما حتى قاءت نصف القدح، ثم قال للأخرى: قيئي، فقاءت من قيح ودم وصديد ولحم عبيط وغيره حتى ملأت القدح، ثم قال: إن هاتين صامتا عما أحل الله، وأفطرتا على ما حرم الله ـ عز وجل ـ عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى فجعلتا يأكلان لحوم الناس "
إذا لم يكن في السمع مني تصاون و في بصري غض و في منطقي صمت
فحظي إذاً من صوميَ الجوع و الظما فإن قلت إني صمت يومي فما صمت.
قال ابن رجب: " و اعلم أنه لا يتم التقرب إلى الله تعالى بترك هذه الشهوات المباحة في غير حالة الصيام إلا بعد التقرب إليه بترك ما حرم الله في كل حال من الكذب و الظلم و العدوان على الناس في دمائهم و أموالهم و أعراضهم "
وقال أيضا: " فصيامنا هذا يحتاج إلى استغفار نافع، و عمل صالح له شافع.
كم نخرق صيامنا بسهام الكلام ثم نرقعه و قد اتسع الخرق على الراقع، كم نرفو خروقه بمخيط الحسنات ثم نقطعه بحسام السيئات القاطع.
كان بعض السلف إذا صلى صلاة استغفر من تقصيره فيها كما يستغفر المذنب من ذنبه.
إذا كان هذا حال المحسنين في عباداتهم فكيف حال المسيئين مثلنا في عباداتهم؟ ارحموا من حسناته كلها سيئات و طاعاته كلها غفلات.
أستغفر الله من صيامي طول زماني و من صلاتي
صيامنا كله خروق و صلاتنا أيما صلاة
مستيقظ في الدجى و لكن أحسن من يقظتي سناتي "
ـ عن همام أخي وهب بن منبه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: " الغيبة تخرق الصوم والاستغفار يرقعه، فمن استطاع منكم أن يجيء غدا بصومه مرقعا فليفعل "
فرحتا الصائم
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال الله: " كل عمل بن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح وإذا لقي ربه فرح بصومه "
ـ عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إن الله ـ عز وجل ـ جعل حسنة بن آدم بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم، والصوم لي وأنا أجزي به، وللصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره، وفرحة يوم القيامة، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك "
قال البيهقي: " وأما قوله (للصائم فرحتان: فرحة عند إفطاره وفرحة عند لقاء ربه) فمعناه ـ والله أعلم ـ فرحة عند إفطاره بما يجب له من الثواب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى، أو يأذن له في الإفطار ولم يأذن له في وصل الليل بالنهار فيتعجل هلاكه، وإنما جاء في الحديث من أن للصائم عند فطره دعوة مستجابة، وفرحة يوم القيامة بما يصل إليه من الثواب والجزاء "
وقال ابن رجب: " و قوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره و فرحة عند لقاء ربه) أما فرحة الصائم عند فطره فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم و مشرب و منكح، فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه خصوصاً عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعاً فإن كان ذلك محبوباً لله كان محبوباً شرعاً، و الصائم عند فطره كذلك. فكما أن الله تعالى حرم على الصائم في نهار الصيام تناول هذه الشهوات، فقد أذن له فيها في ليل الصيام، بل أحب منه المبادرة إلى تناولها في أول الليل و آخره، فأحب عباده إليه أعجلهم فطراً، و الله و ملائكته يصلون على المتسحرين. فالصائم ترك شهواته لله بالنهار تقرباً إلى الله و طاعة له، و يبادر إليها في الليل تقرباً إلى الله و طاعة له فما تركها إلا بأمر ربه، و لا عاد إليها إلا بأمر ربه فهو مطيع له في الحالين
¥