تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: " كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك "

قال البيهقي: " قال أبو عبيد: قد علمنا أن أعمال البر كلها لله تعالى وهو يجزي بها، فنرى ـ والله أعلم ـ أنه إنما خص الصوم بأن يكون هو الذي يتولى جزاءه، لأن الصوم ليس يظهر من ابن آدم بلسان ولا فعل فيكتبه الحفظة، إنما هو نية القلب وإمساك عن حركة المطعم والمشرب. يقول: فأنا أتولى جزاءه على ما أحب من التضعيف، وليس على كتاب كتب له، ومما يبين ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:

(ليس في الصوم رياء).

قال أبو عبيد: حدثنيه عن ليث عن عقيل عن ابن شهاب رفعه، قال: وذلك لأن الأعمال كلها لا تكون إلا بالحركات إلا الصوم خاصة فإنما هو بالنية التي قد خفيت على الناس، فإذا نواها فكيف يكون ها هنا رياء؟ هذا عندي وجه الحديث والله أعلم.

قال أبو عبيد: بلغني عن سفيان بن عيينة أنه فسر قوله في الصوم (والصوم لي وأنا أجزي به)، قال: لأن الصوم هو الصبر، يصبر الإنسان عن المطعم والمشرب والنكاح، ثم قرأ قوله تعالى:

(إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)

يقول: فثواب الصوم ليس له حساب يُعلم من كثرته. "

قال البيهقي: " قال الشيخ أحمد ـ رحمه الله ـ: وقوله (الصوم لي وأنا أجزي به) فمعناه ـ والله أعلم ـ أني العالم بجزائي والمالك له وليس ذلك مما أخبرتكم به من أن الحسنة بعشر أمثالها، وأن مثل النفقة في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة، لكن جزاء الصوم يجل عن هذا كله، وأنا أعلم به وإلي أمره، وهذا لأن كل عمل يعمله ابن آدم من الطاعات فإنما هو تبرر لا تنقص من بدنه شيئا إلا الصيام فإنه تعريض من الصائم نفسه للنقصان الذي قد يُضعف وقد يؤدي إلى الهلاك، والصائم بصيامة مؤثر للرجوع إلى ربه مستسلم لذلك منشرح الصدر، فكان صومه له عز اسمه من هذا الوجه .......................... ، وأما الخلوف فإنما جعله أطيب عند الله من ريح المسك ليبين انه وإن كان في الطباع من باب الأذى فإنه عند الله مرضي لا ينبغي إزالته بالسواك وغيره كما لا يزال دم الشهيد عنه بالغسل وأنه يثاب على الصبر عليه كما يثاب على الطعام والشراب والله أعلم "

قال ابن رجب: " و أما قوله: (فإنه لي) فإن الله خص الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر الأعمال، و قد كثر القول في معنى ذلك من الفقهاء و الصوفية و غيرهم، و ذكروا فيه وجوهاً كثيرة. و من أحسن ما ذكر فيه وجهان:

أحدهما: أن الصيام هو مجرد ترك حظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جبلت على الميل إليها لله ـ عز و جل ـ و لا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصيام، لأن الإحرام إنما يترك فيه الجماع و دواعيه من الطيب دون سائر الشهوات من الأكل و الشرب، وكذلك الاعتكاف مع أنه تابع للصيام، و أما الصلاة فإنه و إن ترك المصلي فيها جميع الشهوات إلا أن مدتها لا تطول فلا يجد المصلي فقد الطعام و الشراب في صلاته، .. و هذا بخلاف الصيام فإنه يستوعب النهار كله فيجد الصائم فقد هذه الشهوات، و تتوق نفسه إليها خصوصاً في نهار الصيف لشدة حره و طوله ...............

فإذا اشتد توقان النفس إلى ما تشتهيه مع قدرتها عليه ثم تركته لله ـ عز وجل ـ في موضع لا يطلع عليه إلا الله كان ذلك دليلاً على صحة الإيمان، فإن الصائم يعلم أن له رباً يطلع عليه في خلوته، و قد حرم عليه أن يتناول شهواته المجبول على الميل إليها في الخلوة فأطاع ربه و امتثل أمره و اجتنب نهيه خوفاً من عقابه و رغبة في ثوابه فشكر الله تعالى له ذلك و اختص لنفسه عمله هذا من بين سائر أعماله، و لهذا قال بعد ذلك: (إنه إنما ترك شهواته و طعامه و شرابه من أجلي) قال بعض السلف: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير