وآمركم بذكر الله ـ عز وجل ـ كثيرا وأن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه، وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله ـ عز وجل ـ قال: فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (وأنا آمركم بخمس الله أمرني بهن: بالجماعة، والسمع والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله، فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع، ومن دعا بدعوى الجاهلية فهو من جُثاء جهنم، قالوا: يا رسول الله وإن صام وإن صلى؟ قال: وإن صام وإن صلى وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بأسمائهم بما سماهم الله ـ عز وجل ـ المسلمين المؤمنين عباد الله عز وجل "
صوم كصيام الدهر
ـ عن أبي قتادة أن رجلا أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: " كيف تصوم فغضب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فلما رأى عمر ـ رضي الله عنه ـ غضبه قال: رضينا بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا، نعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، فجعل عمر ـ رضي الله عنه ـ يردد هذا الكلام حتى سكن غضبُه، فقال عمر: يا رسول الله كيف بمن يصوم الدهر كله؟ قال: لا صام ولا أفطر، أو قال: لم يصم ولم يفطر، قال: كيف من يصوم يومين ويفطر يوما؟ قال: ويطيق ذلك أحد؟ قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يوما؟ قال: ذاك صوم داود ـ عليه السلام ـ قال: كيف من يصوم يوما ويفطر يومين؟ قال: وددت أني طوقت ذلك، ثم قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ثلاث من كل شهر ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله، وصيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله "
ما يقول إذا أفطر؟
ـ عن معاذ بن زهرة أنه بلغه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " كان إذا أفطر قال: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا صام ثم أفطر قال: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت.
قال: وكان الربيع بن خثيم يقول: الحمد لله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت "
طبقات الصوام
قال ابن رجب: " و الصائمون على طبقتين:
إحداهما: من ترك طعامه و شرابه و شهوته لله تعالى يرجو عنده عوض ذلك في الجنة، فهذا قد تاجر مع الله و عامله و الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملاً، ولا يخيب معه من عامله، بل يربح عليه أعظم الربح، وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله إلا أتاك الله خيراً منه " خرجه الإمام أحمد، فهذا الصائم يعطى في الجنة ما شاء الله من طعام و شراب و نساء. قال الله تعالى:" كلوا و اشربوا هنيئاً بما أسلفتم في الأيام الخالية " قال مجاهد و غيره: نزلت في الصائمين.
الطبقة الثانية من الصائمين: من يصوم في الدنيا عما سوى الله فيحفظ الرأس وما حوى، و يحفظ البطن وما وعى، ويذكر الموت و البلى، و يريد الآخرة فيترك زينة الدنيا، فهذا عيد فطره يوم لقاء ربه و فرحه برؤيته:
أهل الخصوص من الصوام صومهم صون اللسان عن البهتان و الكذب
و العارفون و أهل الإنس صومهم صون القلوب عن الأغيار و الحجب
العارفون لا يسليهم عن رؤية مولاهم قصر، ولا يرويهم دون مشاهدته نهر، هممهم أَجَل من ذلك:
كبرت همةُ عبد طَمِعت في أن تراك
من يَصُم عن مُفطرات فصِيامي عمن سواك
من صام عن شهواته في الدنيا أدركها غداً في الجنة، و من صام عما سوى الله فعيده يوم لقائه. (من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت).
و قد صمت عن لذات دهري كلها و يوم لقاكم ذاك فطر صيامي "
ـ وقال الإمام الغزالي: " اعلم أن الصوم ثلاث درجات: صوم العموم، وصوم الخصوص، وصوم خصوص الخصوص.
أما صوم العموم: فهو كف البطن والفرج عن قضاء الشهوة كما سبق تفصيله.
وأما صوم الخصوص: فهو كف السمع والبصر واللسان واليد والرجل وسائر الجوارح عن الآثام.
وأما صوم خصوص الخصوص: فصوم القلب عن الهضم الدنية والأفكار الدنيوية، وكفه عما سوى الله ـ عز وجل ـ بالكلية، ويحصل الفطر في هذا الصوم بالفكر فيما سوى الله ـ عز وجل ـ واليوم الآخر، وبالفكر في الدنيا إلا دنيا تراد للدين، فإن ذلك من زاد الآخرة وليس من الدنيا "
¥