فأفضل الصيام أن لا يضعف البدن حتى يعجز عما هو أفضل منه من القيام بحقوق الله تعالى أو حقوق عباده اللازمة، فإن أضعف عن شيء من ذلك مما هو أفضل منه كان تركه أفضل.
فالأول: مثل أن يضعف الصيام عن الصلاة أو عن الذكر أو عن العلم كما قيل في النهي عن صيام الجمعة و يوم عرفة بعرفة أنه يضعف عن الذكر و الدعاء في هذين اليومين، و كان ابن مسعود يقل الصوم و يقول: (إنه يمنعني من قراءة القرآن، و قراءة القرآن أحب إلي) فقراءة القرآن أفضل من الصيام، نص عليه سفيان الثوري و غيره من الأئمة، و كذلك تعلم العلم النافع و تعليمه أفضل من الصيام، و قد نص الأئمة الأربعة على أن طلب العلم أفضل من صلاة النافلة، و الصلاة أفضل من الصيام المتطوع به، فيكون العلم أفضل من الصيام بطريق الأولى، فإن العلم مصباح يستضاء به في ظلمة الجهل و الهوى، فمن سار في طريق على غير مصباح لم يأمن أن يقع في بئر بوار فيعطب.
قال ابن سيرين: إن قوماً تركوا العلم و اتخذوا محاريب فصلوا و صاموا بغير علم، و الله ما عمل أحد بغير علم إلا كان ما يفسد أكثر مما يصلح.
و الثاني: مثل أن يضعف الصيام عن الكسب للعيال أو القيام بحقوق الزوجات فيكون تركه أفضل، و إليه الإشارة بقوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: (إن لأهلك عليك حقا)
المتطوع أمير نفسه:
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أتاها فقال: هل عندكم طعام؟ فقلت: لا. قال: إني صائم، ثم جاء يوما آخر فقالت عائشة: يا رسول الله إنا قد أهدى لنا حيس فدعا به فقال: أما إني قد أصبحت صائما فأكل "
ـ عن أم هانئ ـ رضي الله عنها ـ قالت: " لما كان يوم الفتح فتح مكة جاءت فاطمة فجلست عن يسار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأم هانئ عن يمينه قالت: فجاءت الوليدة بإناء فيه شراب فناولته فشرب منه ثم ناوله أم هانئ فشربت منه فقالت: يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة. فقال لها أكنت تقضين شيئا؟ قالت: لا. قال: فلا يضرك إن كان تطوعا "
ـ عن أبي الزبير عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب، فإن شاء طعم وإن شاء ترك "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " إذا دعي أحدكم فليجب، فإن كان مفطرا فليطعم، وإن كان صائما فليصل "
ورواه نافع عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ بمعناه وزاد "فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليدع "
ـ عن عكرمة قال: " كان ابن عباس يفطر من صوم التطوع ولا يبالي "
ـ عن مجالد عن الشعبي قال: " كان لا يرى بأسا أن يصبح الرجل صائما ثم يفطر "
أحب الصيام إلى الله:
ـ عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " أحب الصلاة إلى الله صلاة داود ـ عليه السلام ـ وأحب الصيام إلى الله صيام داود، وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يوما ويفطر يوما "
الحض على صيام أيام مخصوصة
فضل صيام شعبان ولو بعد انتصافه:
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصوم حتى نقول: لا يفطر ويفطر حتى نقول: لا يصوم، فما رأيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ استكمل صيام شهر إلا رمضان، وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان "
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ حدثته قالت: " لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصوم شهرا أكثر من شعبان، فإنه كان يصوم شعبان كله، وكان يقول: خذوا من العمل ما تطيقون فإن الله لا يمل حتى تملوا، وأحب الصلاة إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما داوم عليه وإن قلت، وكان إذا صلى صلاة داوم عليها "
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " كان أحب الشهور إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يصومه شعبان بل كان يصله برمضان "
ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " لا تقدموا صيام رمضان بيوم ولا يومين إلا رجل كان يصوم صوما فيصومه "
ـ عن أبي سلمة عن أم سلمة ـ رضي الله عنهما ـ: " أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان لا يصوم شهرين متتابعين إلا شعبان ورمضان "
¥