وفي رواية عبد الرزاق: " عن هلال بن يساف قال: كان عيسى ابن مريم يقول: إذا كان يوم صوم أحدكم فليدهن لحيته وليمسح شفتيه حتى يخرج إلى الناس فيقولوا: ليس بصائم، وإذا صلى أحدكم فليدن عليه ستر بابه فإن الله يقسم الثناء كما يقسم الرزق، وإذا أعطى أحدكم فليعط بيمينه وليخف من شماله "
ـ عن أبي حازم قال: " اكتم حسناتك كما تكتم سيئاتك "
ـ عن وهب بن منبه قال: " كان رجل من أفضل أهل زمانه وكان يُزار فيعظهم، فاجتمعوا إليه ذات يوم فقال: إنا قد خرجنا من الدنيا وفارقنا الأهل والأولاد والأوطان والأموال مخافة الطغيان، وقد خفت أن يكون قد دخل علينا في حالنا هذه من الطغيان أكثر مما يدخل على أهل الأموال في أموالهم، وإنما يحب أحدنا أن تقضى حاجته، وإن اشترى أن يُقارَب لمكان دينه، وإن لُقي حُيي ووُقِر لمكان دينه. فشاع ذلك الكلام حتى بلغ الملك فأُعجب به فركب إليه ليسلم عليه وينظر إليه، فلما رآه الرجل وقيل له: هذا الملك قد أتاك ليسلم عليك فقال: وما يصنع بي؟ فقيل: للكلام الذي وعظت به، فسأل ردءه هل عندك طعام؟ فقال: شيء من ثمر الشجر مما كنت تفطر به، فأتى به على مسح فوضع بين يديه فأخذ يأكل منه، وكان يصوم النهار لا يفطر، فوقف عليه الملك فسلم عليه فأجابه بإجابة خفيفة وأقبل على طعامه يأكله، فقال الملك: فأين الرجل؟ قيل له: هو هذا، فقال: هذا الذي يأكل؟ قيل: نعم. قال: فما عند هذا من خير، فأدبر وانصرف فقال الرجل: الحمد لله الذي صرفك عني بما صرفك به "
ـ عن حماد بن زيد قال: كان أيوب يقول: ليتق الله ـ عز وجل ـ رجل، وإن زهد فلا يجعلن زهده عذابا على الناس، فلأن يخفي الرجل زهده خير من أن يعلنه، وكان أيوب ممن يخفي زهده، فدخلنا عليه مرة فإذا على فراشه محبس أحمر فرفعته أو رفعه بعض أصحابنا فإذا خصفة محشوة بليف "
ـ عن شعبة قال: " ربما ذهبت مع أيوب في الحاجة أريد أن أمشي معه فلا يدعني، فيخرج فيأخذ ههنا وههنا لكي لا يفطن له. قال شعبة وقال أيوب: ذُكرت وما أحب أن أُذكر.
وعن حماد بن زيد قال: قال أيوب: لأن يستر الرجل الزهد خير له من أن يظهره.
وعن أبي بكر بن المفضل قال: سمعت أيوب يقول والله ما صدق عبد إلا سَره أن لا يُشعر بمكانه.
وعن حماد قال: غلب أيوبَ البكاءُ يوما فقال: الشيخ إذا كبر مج وغلبه فوه، فوضع يده على فيه وقال الزكمة ربما عرضت "
قلت: هذه هي حقيقة التعبد، فإن العابد حقا هو الذي لا يبالي بغير نظر الله، فيكون عمل سره أحب إلى قلبه من عمل جهره، بل لا يريد أن يراه أحد وهو يتعبد سوى الله.
ـ عن ابن عيينة قال: " كان هارون بن رباب يخفي الزهد، وكان يلبس الصوف تحت ثيابه "
ـ عن حمزة ابن دِهقان قال: " قلت لبشر بن الحارث: أحب أن أخلو معك، قال: إذا شئت فيكون يوما، فرأيته قد دخل قبة فصلى فيها أربع ركعات لا أُحسن أصلى مثلها فسمعته يقول في سجوده: اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الذل أحب إلي من الشرف، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أن الفقر أحب إلي من الغنى، اللهم إنك تعلم فوق عرشك أني لا أوثر على حبك شيئا. فلما سمعته أخذني الشهيق والبكاء فقال: اللهم أنت تعلم أني لو أعلم أن هذا هاهنا لم أتكلم "
ـ قال عبد الرحمن بن مهدي: قلت لابن المبارك: إبراهيم بن أدهم ممن سمع؟ قال: قد سمع من الناس، وله فضل في نفسه، صاحب سرائر، وما رأيته يُظهر تسبيحا ولا شيئا من الخير، ولا أكل مع قوم قط إلا كان آخر من يرفع يده "
قلت:كان يفعل ذلك لئلا يقال: زهد في الطعام، وهذا لعمري الإخلاص في أجمل صوره.
ـ عن محمد بن مسعر قال: " كان أبي لا ينام حتى يقرأ نصف القرآن، فإذا فرغ من ورده لف رداءه ثم هجع هجعة خفيفة، ثم يثب كالرجل الذي قد ضل منه شيء فهو يطلبه، فإنما هو السواك والطهور، ثم يستقبل المحراب كذلك إلى الفجر، وكان يجهد على إخفاء ذلك جدا "
ـ قال مغيرة: " كان لشريح بيت يخلو فيه يوم الجمعة لا يدري الناس ما يصنع فيه "
¥