ـ عن عبيد الله بن أبي يزيد قال: " رأيت ابن عباس يرش على أهله الماء ليلة ثلاث وعشرين "
تفصيل القول في تعيين ليلة القدر
" وقد اختلف الناس في ليلة القدر كثيراً فحكى عن بعضهم أنها رفعت و حديث أبي ذر يرد ذلك.
و روي عن محمد بن الحنفية أنها في كل سبع سنين مرة و في إسناده ضعف.
و عن بعضهم أنها في كل السنة حُكي عن ابن مسعود و طائفة من الكوفيين، و روي عن أبي حنيفة.
و قال الجمهور: هي في رمضان كل سنة.
ثم منهم من قال: هي في الشهر كله.
و حكي عن بعض المتقدمين: أنها أول ليلة منه.
و قالت طائفة: هي في النصف الثاني منه، و قد حكي عن أبي يوسف و محمد.
و قد تقدم قول من قال: إنها ليلة بدر على اختلافهم هي ليلة سبع عشرة أو تسع عشرة.
و قال الجمهور: هي منحصرة في العشر الأواخر و اختلفوا في أي ليالي العشر أرجى:
فحكي عن الحسن و مالك أنها تطلب في جميع ليال العشر، أشفاعه و أوتاره و رجحه بعض أصحابنا، و قال: لأن قول النبي صلى الله عليه و سلم: التمسوها في تاسعة تبقى أو سابعة تبقى أو خامسة تبقى إن حملناه على تقدير كمال الشهر كانت أشفاعاً، و إن حملناه على ما بقي منه حقيقة كان الأمر موقوفاً على كمال الشهر فلا يعلم قبله، فإن كان تاماً كانت الليالي المأمور بها بطلبها أشفاعاً، و إن كان ناقصاً كانت أوتاراً، فيوجب ذلك الاجتهاد في القيام في كلا الليلتين الشفع منها و الوتر.
وقال الأكثرون (يعني من الجمهور): بل بعض لياليه أرجى من بعض. و قالوا: الأوتار أرجى في الجملة، ثم اختلفوا أي الأوتار أرجى: فمنهم من قال: ليلة إحدى و عشرين، وهو المشهور عن الشافعي لحديث أبي سعيد الخدري، و قد ذكرناه فيما سبق، وحُكي عنه أنها تطلب ليلة إحدى و عشرين، وثلاث وعشرين، قال في القديم: كأني رأيت والله أعلم أقوى الأحاديث فيه ليلة إحدى و عشرين، و ليلة ثلاث و عشرين، و هي التي مات فيها علي بن أبي طالب رضي الله عنه.وقد جاء في ليلة سبع عشرة، و ليلة أربع و عشرين، و ليلة سبع و عشرين انتهى.
وقد روي عن علي و ابن مسعود رضي الله عنهما: أنها تطلب ليلة إحدى و عشرين و ثلاث و عشرين، وحكى للشافعي قول آخر: أرجاها ليلة ثلاث و عشرين، و هذا قول أهل المدينة، و حكاه سفيان الثوري عن أهل مكة و المدينة. و ممن روي عنه أنه كان يوقظ أهلها فيها ابن عباس و عائشة و هو قول مكحول.
و روى رشدين بن سعد عن زهرة بن معبد قال: (أصابني احتلام في أرض العدو وأنا في البحر ليلة ثلاث وعشرين في رمضان، فذهبت لأغتسل فسقطت في الماء فإذا الماء عذب، فناديت أصحابي أعلمهم أني في ماء عذب. قال ابن عبد البر: هذه الليلة تعرف بليلة الْجُهني بالمدينة (يعني عبد الله بن أنيس). و قد روي عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمره بقيامها.
و في صحيح مسلم عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في ليلة القدر: (أريت أني أسجد صبيحتها في ماء و طين، فانصرف النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ من صلاة الصبح يوم ثلاث و عشرين و على جبهته أثر الماء و الطين).
و قال سعيد بن المسيب: (كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نفر من أصحابه فقال: (ألا أخبركم بليلة القدر؟ قالوا: بلى يا رسول الله، فسكت ساعة ثم قال: لقد قلت لكم ما قلت آنفاً و أنا أعلمها ثم أُنسيتها، أرأيتم يوماً كنا بموضع كذا و كذا ـ أي ليلة هي في غزوة غزاها ـ فقالو
: سرنا فقفلنا حتى استقام ملأ القوم على أنها ليلة ثلاث و عشرين.) خرجه عبد الرزاق في كتابه.
و رجحت طائفة ليلة أربع و عشرين و هم: الحسن و أهل البصرة، و قد روي عن أنس، و كان حميد و أيوب و ثابت يحتاطون فيجمعون بين الليلتين أعني ليلة ثلاث و أربع.
و رجحت طائفة ليلة سبع وعشرين، وحكاه الثوري عن أهل الكوفة وقال: نحن نقول: هي ليلة سبع و عشرين لِمَا جاءنا عن أبي بن كعب و ممن قال بهذا أبي بن كعب، وكان يحلف عليه و لا يستثني وزر بن حبيش، و عبده بن أبي لبابة. وروي عن قنان بن عبد الله النهي قال: سألت زِرَّاً عن ليلة القدر؟ فقال: كان عمر و حذيفة و أناس من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يشكون أنها ليلة سبع وعشرين، خرجه ابن أبي شيبة، و هو قول أحمد و إسحاق.
¥