و ذهب أبو قِلابة إلى أنها تنتقل في ليالي العشر. و روي عنه أنها تنتقل في أوتاره خاصة.
و ممن قال بانتقالها في ليال العشر: المزني و ابن خزيمة، و حكاه ابن عبد البر عن مالك و الثوري و الشافعي و أحمد و أبي ثور و في صحة ذلك عنهم بعد، و إنما قول هؤلاء أنها في العشر و تطلب في لياليه كله "
قال الترمذي: " وفي الباب عن عمر وأبي وجابر بن سمرة وجابر بن عبد الله وابن عمر والفلتان بن عاصم وأنس وأبي سعيد وعبد الله بن أنيس والزبيري وأبي بكرة وابن عباس وبلال وعبادة بن الصامت.
قال أبو عيسى: " وأكثر الروايات عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: (التمسوها في العشر الأواخر في كل وتر) وروي عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في ليلة القدر أنها ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين وآخر ليلة من رمضان.
قال أبو عيسى: قال الشافعي: كأن هذا عندي والله أعلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يجيب على نحو ما يُسأل عنه، يقال له: نلتمسها في ليلة كذا؟ فيقول: التمسوها في ليلة كذا، قال الشافعي: وأقوى الروايات عندي فيها ليلة إحدى وعشرين "
قال أبو عيسى: وقد روي عن أبي بن كعب: (أنه كان يحلف أنها ليلة سبع وعشرين ويقول: أخبرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعلامتها فعددنا وحفظنا) وروي عن أبي قِلابة أنه قال: (ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر) حدثنا بذلك عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن أبي قِلابة بهذا " انتهى.
ما يقول وما يفعل في ليلة القدر
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قلت: " يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: قولي اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني "
ـ عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: " لو أدركت ليلة القدر ما سألت الله إلا العفو والعافية "
العفوُّ من أسماء الله تعالى، و هو المتجاوز عن سيئات عباده، الماحي لأثارها عنهم، و هو يحب العفو فيحب أن يعفو عن عباده، و يحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه، و عفوه أحب إليه من عقوبته، وكان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: أعوذ برضاك من سخطك، وعفوك من عقوبتك "
ـ قال يحيى بن معاذ: " لو لم يكن العفو أحب الأشياء إليه لم يبتل بالذنب أكرم الناس عليه "
يشير إلى أنه ابتلى كثيراً من أوليائه و أحبابه بشيء من الذنوب ليعاملهم بالعفو فإنه يحب العفو.
ـ قال بعض السلف الصالح: " لو علمت أحب الأعمال إلى الله تعالى لأجهدت نفسي فيه، فرأى قائلاً يقول له في منامه: إنك تريد ما لا يكون، إن الله يحب أن يعفو و يغفر. و إنما أَحب أن يعفو ليكون العباد كلهم تحت عفوه، و لا يُدِل عليه أحد منهم بعمل "
ـ قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ و أبو سعد الشعيبي قالا: سمعنا أبا عمرو بن أبي جعفر الحيري يقول: سمعت أبا عثمان سعيد بن إسماعيل كثيرا يقول في مجلسه وفي غير المجلس: " عفوك ثم يقول: عفوك يا عفو. في المحيا عفوك، وفي الممات عفوك، وفي القبور عفوك، وعند النشور عفوك، وعند تطاير الصحف عفوك، وفي القيامة عفوك، وفي مناقشة الحساب عفوك، وعند ممر الصراط عفوك، وعند الميزان عفوك، وفي جميع الأحوال عفوك، يا عفو عفوك.
قال أبو عمرو: ورؤي أبو عثمان في المنام بعد وفاته بأيام فقيل له: بماذا انتفعت من أعمالك في الدنيا؟ فقال: بقولي عفوك عفوك "
ـ كان بعض المتقدمين يقول في دعائه: (اللهم إن ذنوبي قد عظمت فجلت عن الصفة، و إنها صغيرة في جنب عفوك، فاعف عني)
و قال آخر منهم: (جرمي عظيم، و عفوك كثير، فاجمع بين جرمي و عفوك يا كريم)
يا كبير الذنب عفو الله من ذنبك أكبرُ
أكبر الأوزار في جنب عفو الله يصغُرُ. "
قال ابن رجب: " و إنما أَمر بسؤال العفو في ليلة القدر بعد الاجتهاد في الأعمال فيها وفي ليالي العشر؛ لأن العارفين يجتهدون في الأعمال ثم لا يرون لأنفسهم عملاً صالحاً ولا حالاً ولا مقالاً فيرجعون إلى سؤال العفو كحال المذنب المقصر.
قال يحيى بن معاذ: (ليس بعارف من لم يكن غاية أمله من الله العفو)
إن كنتُ لا أصلح للقُرب فشأنك عفوٌ عن الذنب
¥