[هل كانت العرب تعرف بحور الشعر قبل الخليل؟]
ـ[أبو سهيل]ــــــــ[10 - 08 - 2009, 04:08 ص]ـ
يقول ابن فارس في الصاحبي
فإن قال قائل: فقد تواترت الروايات بأن أبا الأسود أولُ من وضع العربية وأن الخليل أول من تكلم في العروض. قيل له: نحن لا ننكر ذلك، بل نقول: إن هذين العِلْمين قد كانا قديماً، وأتت عليهما الأيام وقلاّ في أيدي الناس، ثم جددهما هذان الإمامان، وقد تقدم دليلنا في معنى الإعراب، وأما العروض فمن الدليل على أنه كان متعارفاً معلوماً قول الوليد بن المغيرة منكراً لقول من قال إن القرآن شعر: لقد عرضته على أقْرَاء الشعر، هَزَجِه ورَجَزه، وكذا وكذا، فلم أره يشبه شيئاً من ذلك أفيقول الوليد هذا وهو لا يعرف بحور الشعر!
ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[10 - 08 - 2009, 08:03 ص]ـ
بل يقوله وهو يعرف بحور الشعر هزجها ورجزها وكذا وكذا. أما (الكذا والكذا) فلا شك أنها تشير إلى تسميات للبحور غير التي وضعها الخليل لها، وليت الراوي لم يعمد إلى الاختصار وتوسع في روايته، لكنا إذن تعرفنا إلى علم واسع.
وربما كان الأخفش أول من توسع في هذا القول في كتابه القوافي حيث قال: "سمعت كثيرا من العرب يقول: جميع الشعر قصيد ورمل ورجز. أما القصيد فالطويل، والبسيط التام، والكامل التام والمديد التام والوافر التام والرجز التام. وهو ما تغنى به الركبان، ولم نسمعهم يتغنون إلا بهذه الأبنية. وقد زعم بعضهم أنهم يتغنون بالخفيف. والرمل كل ما كان غير هذا من الشعر وغير الرجز فهو رمل. وا لرجز عند العرب كل ما كان على ثلاثة أجزاء، وهو الذي يترنمون به في عملهم وسوقهم ويحدون به. وقد روى بعض من أثق به نحو هذا عن الخليل". والمقصود بالمديد التام والوافر التام هنا ما قاله ابن سيده: "أتم ما جاء منهما في الاستعمل، أعني الضربين الأولين منهما، فأما أن يجيئا على أصل وضعهما في دائرتيهما فذلك مرفوض مطّرح".
وقد روي عن الخليل أنه زار مدرسة في المدينة المنورة تعلم الوزن على طريقة التنعيم، وذلك قبل أن يواصل طريقه لأداء مناسك الحج ويعود من مكة وقد ألهمه الله فيها علم العروض، والرواية مشهورة.
ـ[بَحْرُ الرَّمَل]ــــــــ[10 - 08 - 2009, 08:17 م]ـ
أحسبهم كانو يميزون الرجز عن باقي الأوزان ربما لإيقاعه المختلف أو لاختصاصه بأغراض معينة (الصيد ,الحماسة في الحروب , ..... )
ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[11 - 08 - 2009, 01:09 م]ـ
بل نقول: إن هذين العِلْمين قد كانا قديماً، وأتت عليهما الأيام وقلاّ في أيدي الناس، ثم جددهما هذان الإمامان، وقد تقدم دليلنا في معنى الإعراب، وأما العروض فمن الدليل على أنه كان متعارفاً معلوماً قول الوليد بن المغيرة منكراً لقول من قال إن القرآن شعر: لقد عرضته على أقْرَاء الشعر، هَزَجِه ورَجَزه، وكذا وكذا، فلم أره يشبه شيئاً من ذلك أفيقول الوليد هذا وهو لا يعرف بحور الشعر!
نعم يقول الوليد ذلك وهو لا يعرف بحور الشعر ..
ولا دليل يَثبُتُ لابن فارس على أن هذين العلمين قد كانا قديماً، وأتت عليهما الأيام وقلاّ في أيدي الناس، ثم جددهما هذان الإمامان ..
ولم يقل بمثل هذا القول سوى ابن فارس رحمه الله تعالى، وجلّ العلماء يثبتون اختراع هذا العلم للخليل لا عن مثالٍ سبقه.
أما معرفة العرب بأقراء الشعر وأنحائه فكانت معرفة وصفٍ لا معرفة علم ..
يدلك على ذلك قول الأخفش الذي أورده قبلي أستاذي سليمان: "سمعت كثيرا من العرب يقول: جميع الشعر قصيد ورمل ورجز".
والقصيد هو شعرهم الذي كانوا يتغنون به فخراً وحماسة ومدحاً ورثاءً وغزلاً .. وكلّ ذلك توزع في شعرهم على أوزان الشعر المختلفة، والتي فصّلها الأخفش بقوله: "أما القصيد فالطويل، والبسيط التام، والكامل التام والمديد التام والوافر التام والرجز التام. وهو ما تغنى به الركبان، ولم نسمعهم يتغنون إلا بهذه الأبنية. وقد زعم بعضهم أنهم يتغنون بالخفيف".
ولم يكن شيء من هذه الأسماء معروفاً لديهم، وإنما أراد الأخفش أن يفسّر قولهم بما أصبحَ معلوماً لديهم بعد وضع العروض.
وميزوا الرجز باسمه لاختصاصه ببعض أغراض الشعر، من الترنم والحداء والتغني به على ألسنة السقاة والحداة والعمال والنساء اللواتي يهدهدن به أطفالهن. وإنما عنوا به سرعة الكلام به، وخفته، وارتجاف الكلام به، كما يرتجف فخذا الناقة
وجل الرجز عند العرب ما كان على ثلاثة أجزاء، أي: المشطور منه. ثم قصّده الرجّاز المشهورون بعد ذلك
أما الرمل عندهم؛ فلم يكن مقصوداً به ذلك الوزن المعروف في العروض الخليلي، وإنما كانوا يشيرون به إلى كل شعر مهزول، أو مضطرب البناء، مختل الإيقاع، ولذلك وصفوا به قصيدة عبيد بن الأبرص:
أقفر من أهله ملحوبُ=فالقطّبيّاتُ فالذنوبُ
وهي مبنية أصلاً على وزن المخلّع لا الرمل.
كما وصفوا به قصيدة الفند الزماني:
ألا لله قَومٌ وَ=لَدتْ أختُ بني سهْمِ
وهي على وزن الهزج الخليلي لا الرمل.
وقال الأخفش: "وعامّةُ المجزوء يجعلونه رمَلاً". وإن كان على أوزان مختلفة.
ولا يعني قول الأخفش: (المجزوء) أن العرب كانوا يستخدمون هذا المصطلح، ولكنه إشارة إلى الأوزان القصيرة.
وربما كان معنى الهزج عندهم بمعنى الرجز والرمل، لأنها أسماء تشير إلى تدارك الصوت وتتابعه في خفة وسرعة.
ومثل ذلك قوله: "هو مما تسمّي العرب"، لا يعني استخدامهم هذه الأسماء بمعناها الاصطلاحي العروضي، وإنما بمعناها اللغوي، وقد أخذها الخليل فوضعها موضع الاصطلاح، تشبيهاً.
¥