[التجديد الوزني في البحر الخفيف]
ـ[د. عمر خلوف]ــــــــ[01 - 10 - 2009, 06:06 م]ـ
[التجديد الوزني في البحر الخفيف]
بحر له من اسمه أوفى نصيب، فهو من أجمل بحور الشعر العربي موسيقى، وأكثرها سلاسةً وخفّة. حتى ليُقال: إنه سُمّي بذلك لخفّته في الذوق.
ولعل أشهر قصائده القديمة هي معلقة (الحارث بن حلّزة اليشكري):
آذَنَتْنا ببَيْنِها أسماءُ=رُبَّ ثاوٍ يُمَلُّ منْهُ الثَّواءُ
وقد زادت شهرته مع الزمن، حتى طغى عند بعض الشعراء على معظم الأوزان الأخرى.
يقوم إيقاعه على التناغم الجميل بين التفعيلتين (فاعلاتن) و (مستفعلن)، وبدائلهما الزحافية (فعِلاتن) و (متفعلن). بل إن (متفعلن) أكثر استعمالاً من الأصل، وأطيب وقعاً في الأذن والطبع، وقلما ترد (مستفعلن) في المجزوء منه خاصة.
قوالب البحر:
ليس للبحر الخفيف في العروض الخليلي سوى خمسة ضروب، تتجاذبها ثلاث أعاريض.
1. فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن=فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن
وهو الضرب أو الصورة التي أعطت البحر سمعته الإيقاعية الجميلة، وهو أكثرها شيوعاً واستخداماً، ولا داعي للتمثيل اختصاراً.
2. فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن=فاعلاتن مستفعلن فاعلن
وهو ضرب نادر، عدّه المعري مهجوراً، وأنكره بعض المعاصرين، نمثّل له بمقطوعة نادرة لابن المعتز:
قلْ لغصْنِ البان الذي يتثنّى= تحت بدر الدجى وفوقَ النّقا
رمْتُ كتْمانَ ما بقلبي فنَمّتْ= زفَراتٌ تُفْشي حديثَ الهوى
ودموع تقولُ في الخدِّ يا مَنْ=يتَباكى: كذا يكونُ البُكا
ليسَ للناسِ موضِعٌ منْ فؤادي=زادَ فيهِ هَواكِ حتّى امْتَلا
لكن هنالك قصائد قديمة على هذا القالب، التزم شعراؤها مجيء (فاعلن) على (فعِلن)، فحَسُنَ بذلك الإيقاع، وإن لم يَشع استخدامه.
يقول عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى:
إنّما الناسُ ظاعِنٌ ومُقيمٌ=فالذي بانَ للمُقيمِ عِظَهْ
ومنَ الناسِ مَنْ يعيشُ شقيّاً=جيفَةَ الليلِ، غافلَ اليَقَظَهْ
فإذا كانَ ذا حَياءٍ ودينٍ=راقَبَ الموتَ واتّقى الحَفَظَهْ
3. فاعلاتن مستفعلن فاعلن=فاعلاتن مستفعلن فاعلن
وهو ضرب نادر أيضاً، لم أعثر له على قصيدة قديمة بعد، فأمثل له بقول عبد الرحمن صدقي:
ربّةَ الحسْنِ أنتِ وحْيُ الأدَبْ=فابعثي الشعرَ ضارماً كاللهبْ
لكِ عينانِ كالدراري سنًى=ولِحاظٌ لها وميضُ الشهُبْ
كلّ دنيايَ كلُّها ها هنا=بين جفنيكِ، وهْي دنيا عجَبْ
وكما فعلوا بشقيقه السابق، فقد أكثر الشعراء من الكتابة عليه بالتزامهم الخبن؛ (فعِلن) في العروض والضرب، فأصبح الوزن راقصاً، خفيف الجرس. يقول صفي الدين الحلي:
زارَني والصباحُ قدْ سَفَرا=وظَليمُ الظّلامِ قد نَفَرا
وجيوشِ النجومِ جافِلةٌ=ولِواءُ الشعاعِ قد نُشِرا
جاءَ يهدي وِصالَهُ سَحَراً=شادِنٌ للقلوبِ قد سَحَرا
فتَيقّنْتُ أنهُ قَمَرٌ=وكذا الليلُ يحملُ القَمَرا
4. فاعلاتن مستفعلن=فاعلاتن مستفعلن
إيقاع رائق معجب، عليه شعر كثير. نمثل له بقول ديك الجن:
أيها القلبُ لا تَعُدْ= لِهَوى الغيدِ ثانِيَهْ
ليسَ برْقٌ يكونُ أخْـ=ـلَبَ منْ برْقِ غانِيَهْ
خُنْتِ سِرّي ولم أخُنْـ=ـكِ، فموتِي عَلانِيَهْ
5. فاعلاتن مستفعلن=فاعلاتن فعولن
قالب قليل الأمثلة، وإن كان إيقاعاً رائقاً.
يُلاحظ فيه أن عجزه يساوي: (فاعلن فاعلن فا)، فهو من مقصّرات المتدارك، ولذلك فإن الكتابةَ عليه دون الصدر تُخرجه من حظيرة الخفيف إلى حظيرة المتدارك. ونمثل له بقول البهاء زهير:
وثَقيلٍ كأنّما=مَلَكُ الموتِ قُرْبُهْ
ليس في الناسِ كلِّهمْ=مَنْ تَراهُ يُحبُّهْ
لو ذَكَرْتُ اسْمَهُ على الـ=ـماءِ ما ساغَ شُرْبُهْ
ذلك هو إيقاع الخفيف في العروض الخليلي.
فهل التزم الشعراء عبر العصور هذه الضروب الخليلية؟
نقول: لقد أضاف الشعراء إلى إيقاع الخفيف عدداً كثيراً من الضروب، زاد عددها كثيراً عن ضروبه الخليلية الخمسة، لم تخرج في مجملها عن جوهر الخفيف، ولا عن روح إيقاعه.
وهو حقّ شرعيّ للشعراء في كل عصر، لأنهم سادة الإيقاع والوزن والشعر، وليس لأحد من العروضيين أن يحجر على إبداعاتهم كما يُثبت ذلك واقع الشعر.
وسأمثل هنا لبعضٍ من مبتدعات الشعراء الكثيرة في إيقاع الخفيف، دون ادّعاء الإحاطة هنا بكل ما جاؤوا به.
1. فاعلاتن مستفعلن فاعلاتن=فاعلاتن مستفعلن فاعلاتاْنْبزيادة حرفٍ ساكنٍ إلى الضرب (فاعلاتن).
¥