ـ[د. عليّ الحارثي]ــــــــ[24 - 05 - 2008, 02:51 ص]ـ
من أروع ما قرأت في رثاء الأمهات!
لا فُضّ فوك!
غفر الله لأمك و لأمي , و لموتي المسلمين, وجمعنا بهم في عليّين!
و القصيدة جديرة بقراءات نقدية تكون إبداعًا على الإبداع!
حَمَلُوْكِ ... لا وَاللهِ بَلْ حَمَلُوْنِي
دَفَنُوْكَ ... لا وَاللهِ بَلْ دَفَنُوْنِي
هذا المشهد هو محرّك الشعور في مشاهد الموت: يموت أحبُّ النّاس إلينا؛ فنظلّ في جمود الحزن وهدوء النفس الصابرة و سكون الاحتساب؛حتى تأتي تلك اللحظة التي تأخذ بالألباب: لحظة حمل الحبيبة على الأكتاف, تلك اللحظة التي هي أشبه بموجة حزنٍ عاتية لا تبقي ولا تذر على شيء في نفس المحزن ساكنا , تحرّك معها كلّ لحظة جميلةٍ وجدناها وسنفقدها, عشناها وسنموتها ,كل لحظات الموت قبلها هادئة ساكنة حتى لحظة نزع الروح ,إلّا هذه اللحظة التي تجمع بين صورالرحيل والحمل والوداع, وكأنّنا نتعزّى قبلها بوجود الحبيبة بيننا حتى لو كانت روحها قد فارقت جسدها! مجرد وجود جسدها إيذانٌ بوجودٍ مؤقت؛ لا تلبث تلك اللحظة التي هي لحظة الموت الحقّة: (لحظة الحمل و الدفن) ـ أن تحيي فينا الموت من جديد! لحظة قادرة على اقتلاع كل ما استطعنا الإبقاء عليه من تماسكنا وصبرنا وعزائنا؛لنُسْلِم أنفسَنا لبكاءٍ مرٍّ موجعٍ تمور به النفس مورا في عالمٍ لا تشعر فيه بأحد سوى هذه الحبيبة المودّعة, كلّ موجود عندئذ مفقود , وهي المفقود الذي يهيمن على كلّ الوجود, في لحظة وداعٍ حزين دامع فاجع تُذكيه الذكرياتٍ العاصفة واللحظة الواجفة؛ أحقًّا سأودّع الحبيبة؟ أحقًّا سأحملها إلى قبرها؟ أحقًّا سأدفنها؟!
إنّها تُحملُ؛ وأنا المحمول فوق تلك الموجة العاصفة الحارقة الباكية المُفارقة!
و تُدفن؛ وأنا المدفون تحت ركام الذكريات الفاقدة الموجعة!
في تلك اللحظة التي تحيا فيها الذكريات والصورالماضيات ـ نفارق الحياة!
ما أوجع المُفارقة الموقَّعَة بشجن المُفارَقَة!
وَالشَّوْقُ يَا أُمِّي مَرَاجِلُ تَغْتَلِي
بَيْنَ الضُّلُوْعِ أَزِيْزُهَا يَكْوِيْنِي
لو قلتَ: مَرَاجِلُ في دمي؛ لكان أقوى في شعرية البيت؛لأن (تغتلي) ـ على ما فيها ـ حشوٌ بعد قولك (مراجل).فضلًا عن شمول لفظة الدم لكلّ موضع حياةٍ هزّته فاجعة الموت , هذا إلى مافي ذلك من الإشارة إلى حنين الفرع إلى الأصل الذي غُذي منه دمًا ,ولا يقوم بهذه المعانى في السياق شيءٌ كلفظة (دمي)!
وَالشَّوْقُ يَا أُمِّي مَرَاجِلُ في دمي
بَيْنَ الضُّلُوْعِ أَزِيْزُهَا يَكْوِيْنِي
و القصيدة ـ في الجملة ـ باكية مبكية, قويّة النسج ,شجيّة النغم, تستحق الوقوف من أبرع الناقدين, و أوجع الفاقدين!
ـ[رسالة الغفران]ــــــــ[24 - 05 - 2008, 03:54 ص]ـ
قصيدة رائعة اخي الكريم ...
لا فض فوك ...
اتمنى من حضرتكم الموافقة على نقل قصيدتكم إلى موضوع أحلى ما قيل في الامهات
ـ[محمد الجهالين]ــــــــ[24 - 05 - 2008, 07:59 م]ـ
رحم الله والدة الشاعر، وجزاه الله خيرا على بره وصبره.
حَمَلُوْكِ ... لا وَاللهِ بَلْ حَمَلُوْنِي
دَفَنُوْكَ ... لا وَاللهِ بَلْ دَفَنُوْنِي
هذا المطلع وإن كان ملتحم العاطفة، لافح الأسى، فقد أتعبه تكرار الفعل والقسم، إذ أن اجتماع الفعل والقسم في اجتهادي كان كافيا للتعبير عن حرقة الفراق وشدة الالتصاق، فجاء التكرار تحجيلا أقلقه تسكين " بل ْ" المكرر، فالمد المتزاحم في المطلع لا مكان فيه للتسكين والتقييد.
تَتَصَاعَدُ الآهَاتُ نَاراً أَحْرَقَتْ
قَلْبِي وَأَطْفَأَتِ الدُّمُوْعُ عُيُوْنِي
لا أدري إن كان الماضي في أطفأت متسقا مع المضارع في تتصاعد.
أنا لا أرى فِيْمَا أَرَى إِلاَّ أَسَىً
مُتَغَلْغِلاً فِي كُلِّ ذَرَّةِ طِيْنِ
ذرة طين أم نطفة طين؟
الفَقْدُ يَا أُمَّاهُ خِنْجَرُ غَادِرٍ
أَهْوَى بِهِ فَجَرَتْ دِمَاءُ حَنِيْنِي
لا وهلم لا أتفق مع هذا التوصيف للفقد، فالفقد هنا قضاء الله، فلا غدر ولا خنجر.
أَنَا مَا بَكَيْتُ عَلَيْكِ بَلْ أَبْكِي عَلَى
نَفْسِي بُكَاءَ الخَائِرِ المَغْبُوْنِ
يذكرني هذا بقول نزار: أنا لست أ بكي منك بل أبكي على قلبي الذي لم تعرف
الكَوْنُ بَعْدَكِ فَارِغٌ وَالقَلْبُ بَعْـ
ـدَكِ فَارِغٌ صَارَ الفَرَاغُ خَدِيْنِي
مهما بلغ حبنا للأم فلا يفرغ الكون بعدها
أَوَّاهُ لَوْ تَدْرِيْنَ كَيْفَ تَفَجَّرَتْ
سُحُبُ الدُّمُوْعِ عَلَى بِسَاطِ جُفُوْنِي
أشفقت على بساط الجفون من هذا التفجر العارم.
المَوْتُ لَمْ يُمْهِلْ فُؤَادِي كَلَّ يَـ
ـوْمِ رَاحِلٌ ... أَيَعِيْشُ لِلتَّأْبِيْنِ؟
لم أفهم كيف وفق الشاعر بين هذا البيت والبيت التالي فكل يوم هناك رحيل لعزيز
هُمْ كَفَّنُوْكِ وَشَيَّعُوْكِ وَكُنْتُ قَبْـ
ـلَكِ دُوْنَ تَشْيِيْعٍ وَلا تَكْفِيْنِ
وهنا لم يكن يعرف الشاعر التكفين والتشييع قبل رحيل أمه.
حَتَّى أُعَفِّرَ فِي رِضَاكِ جَبِيْنِي
ما أجمل هذه الصورة!
عيسى جرابا شاعرنا القدير كان الحزن أقوى من شاعريتك التي نعهد، فأنت حائز جائزة إبداع الفصيح الأولى، شاعر مرصع الديباجة، محكك صناجة.
¥