وانظر إلى الطُغَرائي في لاميته، فإنه -على تقدمه - يأتي بالمعنى ثم يناقض نفسه، وذلك عندما قال، داعيا إلى المغامرة، ناعيا على محبي السكون والدعة، كسلهم، ورضاهم بالقليل من المجد أو من المال:
حُبُّ السلامة يثني هَمّ صاحبهِ = عن المعالي ويُغْري المرءَ بالكسل
فإن جَنَحتَ إليه فاتخذْ نَفَقاً = في الأرضِ أو سُلَّماً في الجوّ فاعتزل
ودَع غِمارَ العُلا لِلمُقدِمينَ على = رُكوبها واقتنع منهنَّ بالبللِ
رضى الذليل بخفض العيش مَسكنَةٌ = والعزُّ تحت رَسيم الأينُقِ الذُّلُل
ثم يقول بعد ذلك، داعيا إلى السكون، والرضى بالقليل، والإحجام عن المغامرة:
يا وارداً سُؤْرَ عيشٍ كلهُ كدرٌ = أنفَقتَ صفوَكَ في أيامكَ الأولِ
فيمَ اقتحامكَ لُجَّ البحر ترْكبهُ = وأنتَ يكفيكَ منهُ مَصّة الوَشل
مُلكُ القناعةِ لا يُخْشى عليهِ ولا = يُحتاج فيه إلى الأنصارِ والخَول
أما أبو التناقض - في رأيي - فهو ابن الرومي، فإنك تجده في قصيدته البائية:
دعِ اللومَ، إن اللومَ عونُ النوائِب = ولا تتجاوز فيه حدَّ المُعاتِبِ
يعترف بتناقضه واضطرابه، ويحلل نفسه كأنه طبيب نفسي، فيبتدئ بالمعنى الذي انتهى إليه الطغرائي وهو الدعوة إلى السكون، والرضى والقناعة بالقليل، ولكنه يحلل ويعلل، ويلم بالصراع الذي في داخله، الناشئ عن التردد بين فقر تزينه السلامة ولذة الكسل، وبين غنى تشينه مكابدة الأسفار ومشقة العمل.
يقول:
ومن يلقَ ما لاقيتُ في كل مجتنىً = من الشوكِ يزهدْ في الثمار الأطايبِ
أذاقتنيَ الأسفارُ ما كَرَّه الغِنَى = إليَّ وأغراني برفض المطالبِ
فأصبحتُ في الإثراء أزهدَ زاهدٍ = وإن كنت في الإثراء أرغبَ راغبِ
ثم يوغل في تحليل نفسه المضطربة:
حريصاً، جباناً، أشتهي ثم أنتهي = بلَحْظي جناب الرزق لحظَ المراقبِ
ومن كان ذا حرص وجبن فإنه = فقير أتاه الفقر من كل جانبِ
وماذا يفعل إذا تنازعته رغبتان قويتان: الإقدام والإحجام.
تنازعني رَغْبٌ ورهب كلاهما = قويٌ، وأعياني اطِّلاعُ المغايبِ
فقدمتُ رجلاً رغبةً في رغيبةٍ = وأخّرتُ رجلاً رهبةً للمعاطبِ
إنه خوف الفشل ورجاء النجاح، والله وحده هو العليم بالعواقب.
أخافُ على نفسي وأرجو مَفازَها = وأستارُ غَيْب اللَّهِ دون العواقبِ
لا أعرف ماذا أفعل؟ ولكني قد أُقدم إذا أخبرني أحدٌ بنهاية أمري، ومآل سعيي، فليخبرني الآن قبل أن أنطلق .. ولكن هيهات، فالنهايات لا تكون إلا بعد البدايات.
ألا من يريني غايتي قبل مذهبي؟ = ومن أين والغاياتُ بعد المذاهبِ؟
هذا شأن البشر، والشعراء منهم، ولعل ذلك يقوم دليلا على ضعف الطبيعة البشرية، أمام القدرة الإلاهية، فيزداد المؤمن إيمانا بالله، وفقرا إليه، وخضوعا لسلطانه، وشعورا بالذل التام، أمام عز الله الذي لا يضام.
أخي الحبيب سمير العلم
أولا أشكرك على زورتيك الكريمتين
ثانيا أجد لديك فلسفة تتقاطع مع ما كنت أشعر به
ثالثا تطوافك جميل دل على تلك المفارقات التي تلهو بقلب
من يفقد عزيزا ...
استفدت كثيرا هنا فلك أخي الحبيب شكري وتقديري
رحم الله أمي وأمهات المسلمين
وجزاك خيرا على كريم مرورك
تحياتي
ـ[أم أسامة]ــــــــ[03 - 07 - 2008, 11:37 ص]ـ
أبيات أكثر من رائعة تحوي معاني نازفة من قلب مجروح وأحاسيس صادقة ...
كان الله في عونك أخي
عيسى جرابا
واجرك في مصيبتك.
ـ[مُبحرة في علمٍ لاينتهي]ــــــــ[05 - 07 - 2008, 01:56 م]ـ
اطلب لها المغفرة من رب العباد