ـ[سليمان أبو ستة]ــــــــ[26 - 10 - 2010, 06:41 م]ـ
تعد الباحثة جوان مالينج من بين قلة من الباحثين الغربيين الذين اعترفوا بوجود جذور للنظرية التوليدية التحويلية في علوم العربية، فها هي ذي تقول: " لقد ميز النحاة العرب، في علمي الصرف والعروض، بين مستويين من التمثيل: الأول ويسمى الأصل، وهو النموذج الأساسي المجرد abstract . وأما الثاني فهو الفرع، وهو يعبر عن مجموعة الانحرافات المسموح بها عن هذا الأصل، أو ما يتحقق به هذا النموذج التجريدي فعليا.
وقد أطلق أصحاب المنهج التوليدي على المستوى الأول مصطلح البنية العميقة deep structure وعلى الثاني مصطلح البنية السطحية surface structure وهذان المصطلحان يعدان اليوم من أهم ركائز هذه المدرسة الحديثة. وترى مالينج آن التمييز بين هذين المستويين أتاح للعروضيين التعبير عن الانتظام الإيقاعي الدقيق في الشعر العربي الكمي ورؤيته بوضوح وسط ما كان يبدو لهم من حرية مطلقة في تبادل مقاطعه.
تبدأ مالينج بتحديد أنواع المقاطع في اللغة العربية لترى أنها، كاليونانية واللاتينية، لا يوجد بها إلا نوعان اثنان فقط هما: القصير، ويرمز له بالرمز (ب) breve ، والطويل، ويرمز له بالرمز (ـــ). macron وأما ما يعرف في العربية بالمقطع الزائد الطول (ص ح ح ص)، نحو عاد وعيد وعود، بالوقف عليها جميعا، فهو لا يقع، إلا نادرا، في درج الكلام (وغالبا في النثر) ولا يرى في الشعر إلا في آخر النسق عند الوقف التام. وهو في اللغات الأخرى يحتسب من زمرة المقاطع الطويلة بغض النظر عن عدد سواكنها وطول حركاتها.
ووضعت مالينج تعريفا للمقطع القصير بأنه: "المتحرك من الحروف الذي يتلوه متحرك آخر". وبالتالي، فكل ما خالف هذا التعريف، يعد من قبيل المقطع الطويل، حتى أن المقطع القصير في آخر الشطر يعد، حسب هذا التعريف، طويلا أيضا، وذلك في نحو قول امرئ القيس:
ففا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فاللام في (منزل) و (حومل) مقطع قصير، ولكنه يعد في التقطيع طويلا لأنه لا يليه شيء.
وهنا تنتقد مالينج هؤلاء الباحثين الغربيين الذي تابعوا إيوالد Ewald ومن بعده رايت Wright في دراستهما للعروض العربي على أساس من تفاعيل العروض اليوناني واللاتيني ومستخدمين في وصف أوزانه المقطعين القصير والطويل. هكذا إذن أصبحت تفعيلة الرجز المقبوضة (ب ـــ ب ـــ) هي التفعيلة الصحيحة لهذا البحر عندهم، وأما مستفعلن ومفتعلن ومتعلن فهي مغايرات (زحافات) لهذه التفعيلة الإيامبية الثنائية diiamb . ومع أنا رأينا الدكتور إبراهيم أنيس ينتقد هذا التحليل ويرفضه إلا أننا وجدناه يسايرهم في اعتماد المقاطع وحدها في وصف الأوزان بديلا عن السبب والوتد.
تقول مالينج: "إن التحليل المجرد للتفاعيل من حيث السبب والوتد له من المزايا ما يتفوق به علي مجرد التحليل السطحي في صورة مقاطع تتعاقب طولا وقصرا. ويتضمن هذا التحليل حقيقة أن ثمة مقاطع في العربية لها مواضع تكون فيها حرة الحركة بين الطول والقصر، بينما تكون في مواضع أخرى ثابتة في كمها".
وتعرف مالينج الوتد بأنه الوحدة القوية أو الثابتة في التفعيلة، وهو عادة ما يكون (إيامبيا) يتألف من مقطع قصير فطويل. إلا أن أحد أوتاد الدائرة الرابعة يمكن له أيضا أن يكون (تروكيا) أي يتألف من مقطع طويل فقصير. وترى أن نظريات الشعر العربي التي تفترض وجود نبر أو دور إيقاعي لنبر الكلمة تفترض كذلك أن المقطع الطويل للوتد هو حامل هذا النبر الإيقاعي. ومع ذلك فقد لاحظ المستشرق بلوخ Bloch أن نبر الكلمة، وهو، بالمناسبة، غير ذي أثر في تغيير المعنى، ليس من الضروري له أن يقع على أي من مقطعي الوتد، بل إنه في الواقع مستقل عن الوزن استقلالا كاملا. وفوق ذلك، فإنه يلاحظ في إلقاء بعض القصائد وجود ميل ملحوظ لنقل النبر إلى المقطع ما قبل الأخير في البيت حتى لو كان هذا المقطع قصيرا ولا يجب نبره، وكان ينتمي إلى سبب وليس إلى وتد.
¥