أرى أن عبارتك دقيقة في الوصف، وهنا أهمس في أذنك وأقول: لو قلت "من أعظم" لقبلناها بناء على رأيك الشخصي فيهما ومع تحفظ أيضاً، وأما أن يكونا (أعظم) فلا وحاشا، وأين هم كثير من العلماء الجِلَّة الأحياء والأموات في الثلاثين سنة الأخيرة الذين بنوا العقول فأحسنوا جزاهم الله خيراً. ولا أريد هنا أن أسمي أحداً؛ لأن نقاشي معك ليس حول شخصية بعينها في هذه النقطة وإنما هو على الحكم العام الذي قد أصدرتَه. بل ولا أستبعد أن يكون حكمك السابق قد نشأ وترعرع بسبب غيضك من خصوم الجابري وأركون؛ ولذا خانك العدل في هذا الحكم.
ومما قلته أيضاً:
"بعد رحيل الأستاذين الجليلين صاحبي أكبر فضل على الأمة المغفور له محمد عابد الجابري والمغفور له محمد أركون أصبح في جدار الثقافة العربية الإسلامية ثلمة نسأل الله تعالى أن يسدّها سريعا، وما ذلك على الله بعزيز"
أيضاً تكتب بقناعة (أكبر، أعظم) وهذا لا توافق عليه، ولكن الثانية وهي الثلمة، في نظرك أنتَ _ وفقك الله _ تود أن تُسد الثلمة بمن سار على خطى الجابري وأركون حذو القذة بالقذة؛ لأنهما أعظم = أكبر من نفع الأمة الإسلامية!!
وهذا أظن أن فيه استفزازاً غير منطقي، وأما الثلمة فقد تُخالف أصلاً أنهما كانا في جدار الثقافة الإسلامية؛ لأنهما سارا على منهج لا يتفق ونصوص الوحيين، وجلبا مناهج ونظريات غربية وتم تطبيقها على نصوص الكتاب والسنة، وهذا فيه خلط عريض.
ومما قلته أيضاً:
"ونسأل الله تعالى أن يهيء لأمة الإسلام من يكمل مسيرتهما ويبني على ما أسساه وحققاه من صبغ للأفكار ونظر إلى ثقافة أنتجها المسلمون منذ أكثر من ألف سنة بمنظور العقل الإنساني العلمي المعاصر"
أنا اعتقد أن مسيرة الجابري وأركون ومن اهتدى بهديهم هي مخالفة لكثير من الأصول والثوابت التي بها الفلاح في الأمر كله، ولا يعني هذا أن نظلمهما حقهما ونسلبهما أي حسنة كتبوها، فالإسلام دين عدل ورحمة.
كما أن عبارتك الأخيرة فيها عدة انتقادات وضبابية ولا سيما المنظور العقلي الإنساني العلمي المعاصر!
وختاماً أقول أسأل الله أن يهيء للأمة الإسلامية من يزيح عنها غبار الفساد الفكري وأن يعيد الأمة إلى سالف أمجاد سلفها الصالح، وأن يهيء مَن يقرأ كتب الجابري وأركون ... إلخ فيحكم بالعدل وينقدها بإنصاف.
ـ[د. عبدالرحمن الصالح]ــــــــ[15 Sep 2010, 12:59 م]ـ
أشكر الأخ حاتم القرشي على أسلوبه الهادئ والمخلص في مناقشة الأفكار وعلى ردوده السديدة، ولما كانت الكتابة هي حوار أحادي الجانب كان من مستلزماتها احتياج كثير من العبارات إلى بيان المقصد بكتابة أخرى، وهذه فضيلة الملتقيات والمنتديات وهي أن نصحح بعضنا أو على الأقل أن نتفاهم على نحو أجلى وأتم لكي نتفيد ونفيد مما هو موجود بين الناس من كتب وأفكار وتثاقف.
وقد أثارت ملاحظاته فيّ ملاحظات رأيت من الصواب وضعها هنا على الرغم من انشغالي بأمور أخرى، وأسأل الله أن لا يكون فيها ما ينتهك الأخلاق أو يمس حرمة مسلم، وإن كانت صوابا فمن الله وإن كانت خطأ فمني ومن الشيطان.
بعد أن كتبتُ تعليقي السابق، رأيت ما أضافه الأخ د. عبدالرحمن الصالح، وبودي أن يتسع صدره الواسع كما عهدناه لبعض الملحوظات:
لن أتحدث هنا عن جزئيات فيما كتبه الدكتور الفاضل، ولكن عن بعض المسائل العامة. كما أني لا أريد أن يتحول الحديث في سجال لا طائل تحته. ولكن هي تنبيهات أود أن يتقبلها د. عبدالرحمن.
يا أخانا الكريم ألحظ أنك تكثر من نبز أهل المدارس الكلاسيكية المساجد والكتاتيب (من وجهة نظرك) بالقصور ومحاربة العقل،
لا أتهم المؤسسات التعليمية الموروثة في العالم الإسلامي بمحاربة العقل بل أصفها بأنها تخلو تماما من العلوم العقلية. فأتباع مذهب الأمة [الزيدية وأهل السنة والإباضية] لا يدرسون العلوم العقلية، أهل السنة حرموا المنطق ولم ينتجوا منطقا بديلا يدرّس بدلا من ما تُرجم إلى العربية من منطق أرسطو، لأن علم أصول الفقه وله منطقه الخاص لم يتمم في الكتاتيب. موافقات الشاطبي ظلت فريدة. والزيدية والاباضية يلخصون ويجترون ما أنتجه المعتزلة، وهؤلاء المعتزلة وإن كانوا من الأمة إلا أنهم قد انقرضوا مدرسةً وكياناً ولم تبق إلا كتبهم.
¥