أما الكيانات الحاملة لاسم المسلمين والمستقلة عن الأمة وأهمها الإمامية الذين يسمون أنفسهم شيعة أهل البيت فهؤلاء يدرسون منطق أرسطو الذي أقلع عنه العالم منذ 150 سنة حين انتقده فريجة واصبح من التاريخ بقيام هندسة رايمان ثم الرياضيات الحديثة ونشوء الجبر البولي وجبر المجموعات. والسبب في محافظة أتباع المذهب (الدين) الفارسي الإمامي على الاعتماد على منطق أرسطو هو أنهم منذ قدّموا الإيمان على العقل في القرن الثاني الهجري وهم يوظفون كل شيء لعقلنة اللامعقول.
فقد خسر أهل السنة ومذهب الأمة باندثار مدرسة ابن حزم الأندلسي وبانقراض المعتزلة في مجال العلوم العقلية خسارة يظهر أثرها في تخلف العالم الإسلامي عن ركب الإنسانية، فحتى الشماغ والعقال يصنعه لنا الصينيون، ونظام تعليمنا في كل العالم الإسلامي لا يخرج طلبة بمخرجات عالمية.
فالمؤسسات التعليمية الموروثة (في مقابل الأكاديمية المستوردة على الطريقة الغربية) لا تُنبز بالقصور والتقصير في العلوم العقلية بل توصف بذلك. ولا يمكن لها ولا للمنتمين إليها إنكار ذلك لأن منكر ذلك يعني أنه رجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري.
فالأمر الوحيد المتحقق علميا عالميا هو تجويد القرآن الكريم (الأداء الصوتي للنص القرآني).
من مقالات شيخ الإسلام ابن تيمية (إن منطق أرسطو لا ينتفع به الذكي ولا يستفيد منه البليد) وهو محق بذلك، فأهل السنة بالفطرة أذكى من الروافض رغم أن هؤلاء يدرسون منطق أرسطو، ولكن ما لم ينطق به النص أن العلوم العقلية ليست هي منطق أرسطو وإن كان هو رأس العقليات في عصر شيخ الإسلام.
ما قصّر فيه علماء الدين هو أنهم لما يدركوا بعد التطور الكبير للعلوم العقلية التي أنشأها (الروم اليونانيون) بعبارة الفارابي أو (الغرب) بعبارتنا المعاصرة. فلا يقرأون كتابا واحدا في تاريخ العلم. إن طريقتهم في التفكير يحسبونها غير مصنفة داخل الفلسفة وهذا من قصورهم ولا ريب، حيث تصح فيهم عبارة (إنّ الذين يعادون الفلسفة يكشفون عند نهاية التحليل عن انتمائهم إلى أضيق المذاهب الفلسفية وأضعفها على الإطلاق).
فلا مستقبل للعلوم الشرعية ولا المسلمين حتى يتلافى هؤلاء هذا القصور ويتداركوا هذا التقصير.
إن المؤسسة التعليمية سواء كانت موروثة (مسجدا وكتاّابا وشيخا) أو مستوردة (مدرسة او معهد أو كلية) هي التي تنشئ الإنسان ومهراته وطرائقه في ممارسة الحياة والعقل والتفكير، والإنسان المسلم المعاصر لا يشذ بذلك عن بني الإنسان فهو نتاج مؤسساته الاجتماعية والتعليمية. وإن حفاظنا على قصورها بحجة أننا أمة خاصة بين البشر أو يجب أن ننغلق على خصوصيتنا ليس خيارا صحيحا بحال، فالإسلام أفضل الأديان وأصحها لأنه أحسنها للإنسان والناس تدخله باختيارها لأنه يجيب على تساؤلاتها ويوفر أفضل معنى للوجود مطروح بين بني البشر، فلا يسوغ أن يكون المسلمون أنفسهم عائقا للناس عن إدراكه وقبوله والاغتناء به. والحل هو في إدراكنا لأحسن ما تتوصل إليه البشرية من معارف ومهارات عقلية ونوظفه في فهمنا وتفهيمنا.
وفي المقابل الثناء والتمجيد بالجابري وأركون ومن على شاكلتهم، فهلا أنصفتَ وحكمتَ بالعدل؟!
عندما قرأت كلامك عدتُ إليه مرة ثانية بالقراءة اتهاماً لنفسي أن تأخذني العجلة، وبعد ما قرأته وجدتُ فيه عبارات كبيرة لا أوافقك عليها، وهي مثل:
"أرى أن هذين الرجلين هما أعظم من قدم نفعا علميا لأمة الإسلام في الثلاثين سنة الأخيرة."
أرى أن عبارتك دقيقة في الوصف، وهنا أهمس في أذنك وأقول: لو قلت "من أعظم" لقبلناها بناء على رأيك الشخصي فيهما ومع تحفظ أيضاً، وأما أن يكونا (أعظم) فلا وحاشا، وأين هم كثير من العلماء الجِلَّة الأحياء والأموات في الثلاثين سنة الأخيرة الذين بنوا العقول فأحسنوا جزاهم الله خيراً. ولا أريد هنا أن أسمي أحداً؛ لأن نقاشي معك ليس حول شخصية بعينها في هذه النقطة وإنما هو على الحكم العام الذي قد أصدرتَه. بل ولا أستبعد أن يكون حكمك السابق قد نشأ وترعرع بسبب غيضك من خصوم الجابري وأركون؛ ولذا خانك العدل في هذا الحكم.
سبب سوء التفاهم مفهوم العلم نفسه
فقد ورثنا من الثقافة الشفاهية أن الحفظ هو العلم
ولم نتنبه إلى حدود الذاكرة البشرية وقصورها
¥