تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

ولكن لما شاء الله أن تكون حياتنا في العصر الرقمي فحريّ بنا أن نغير مفهومنا القديم للعلم

إن سي دي واحد أحفظ إذن للعلم وأوثق من كل الخطباء!

الحق أن مفهوم العلم في الثقافة الشفاهية يختلف عن مفهوم العلم في الثقافة الكتابية

مفهوم الأمة للعلم وهو مفهوم متوارث من ثقافة شفاهية قديمة مفهوم قاصر لا يصلح للعصر

هذا المفهوم الخطأ للعلم هو الذي يضطر كثيرين أن يميزوا أنفسهم بملابس خاصة كجبة وعمامة مثلا

لأن الناس لا تعرفك بطريقتك في التفكير ومجموع معارفك المحققة والمنظمة بل بنوع من التعالم والظهور الاجتماعي الديني لكي تصح فيك صفة عالم.

مفهوم الناس المتوارث الخطأ للعلم هو الذي جعل المفتي يعينه وزير أوقاف أمي أو شيخ أو أمير لا يحسن القراءة.

وهكذا يصبح العالم منصبا اجتماعيا والفتيا مقيدة بمصلحة سياسية معينة ومؤقتة وهذه كلها تلقى قبولا من حاملي مفهوم خطأ للعلم توارثوه من الثقافة الشفاهية.

إذن أركون والجابري علماء كتابيا وأكاديميا ولكنهم ليسوا بعلماء شفاهيا ولا حسب الثقافة الموروثة

ومما قلته أيضاً:

"بعد رحيل الأستاذين الجليلين صاحبي أكبر فضل على الأمة المغفور له محمد عابد الجابري والمغفور له محمد أركون أصبح في جدار الثقافة العربية الإسلامية ثلمة نسأل الله تعالى أن يسدّها سريعا، وما ذلك على الله بعزيز"

أيضاً تكتب بقناعة (أكبر، أعظم) وهذا لا توافق عليه، ولكن الثانية وهي الثلمة، في نظرك أنتَ _ وفقك الله _ تود أن تُسد الثلمة بمن سار على خطى الجابري وأركون حذو القذة بالقذة؛ لأنهما أعظم = أكبر من نفع الأمة الإسلامية!!

وهذا أظن أن فيه استفزازاً غير منطقي، وأما الثلمة فقد تُخالف أصلاً أنهما كانا في جدار الثقافة الإسلامية؛ لأنهما سارا على منهج لا يتفق ونصوص الوحيين، وجلبا مناهج ونظريات غربية وتم تطبيقها على نصوص الكتاب والسنة، وهذا فيه خلط عريض.

كنت أعني ما أقول فلا انسحاب ولا رجوع عن قولي ولكن أكبر بين من؟ وأعظم بين من؟

إن قصدي أنهما أكبر وأفضل من حاول استخدام العقل الإنساني (أقصد العالمي أو الذي بدأ غربيا وأصبح كونيا) العلمي (أقصد التجريبي المؤسس على الفيزياء) المعاصر في قراءة التراث العربي الإسلامي.

ولا أقصد المدافعين عن الإيمان والعقل معا كالشيخ الغزالي رح1 في نهاية القرن والشيخ محمد رشيد رضارح1 في بداية القرن المنصرم.

فالعلوم العقلية كالعلوم الشرعية فيها أساطين وكبار وصغار وفحول وشعارير وهذان الأستاذن الجليلان هما أكبر اثنين من الأكاديميين الذين تناولوا التراث الإسلامي من المؤمنين بـ (ـعلم العقل)، وأقصد بعلم العقل أن العقل نفسه فعالية ومهارة له قوانينه وأصواله ومنطق يدرسه وتاريخ نشوئه وتطوره.

ومما قلته أيضاً:

"ونسأل الله تعالى أن يهيء لأمة الإسلام من يكمل مسيرتهما ويبني على ما أسساه وحققاه من صبغ للأفكار ونظر إلى ثقافة أنتجها المسلمون منذ أكثر من ألف سنة بمنظور العقل الإنساني العلمي المعاصر"

أنا اعتقد أن مسيرة الجابري وأركون ومن اهتدى بهديهم هي مخالفة لكثير من الأصول والثوابت التي بها الفلاح في الأمر كله، ولا يعني هذا أن نظلمهما حقهما ونسلبهما أي حسنة كتبوها، فالإسلام دين عدل ورحمة.

كما أن عبارتك الأخيرة فيها عدة انتقادات وضبابية ولا سيما المنظور العقلي الإنساني العلمي المعاصر!

قد وضحت ما قصدته، وأضيف هنا أن تدرس العلوم الدينية لا بعقل نشأ من داخلها كما يفعل علماء الشريعة فهؤلاء لديهم عقول تكونت من قراءتهم لكتب علماء أهل السنة فعقلُهم قد تكون من بيئتهم ومن مصادر ثقافتهم وهي كتب ألفت في الألف سنة الأخيرة. بل أن تدرس العلوم الشرعية بعقل علمي إنساني معاصر مصادره الفيزياء الحديثة والرياضيات الحديثة وتاريخ العلم التجريبي والتفكير الرياضي.

ولا شك أن من الأفضل والأنفع والأجدى أن يقوم بهذه المهمة من نشأ على القرآن والسنة وترعرع في الكتاتيب لأنه سيكون مسلَّحًا بقدرة لغوية وتراثية أفضل بلا مقارنة من تلك التي كانت لدى أركون والجابري وغيرهما، ولكن أن يتسلح بالعلوم العقلية المعاصرة وأن يدرس الفلسفة في مظانها وفي مصادر الدرجة الأولى لها.

أو بعبارة أكثر وضوحا

ليس الأفضل لفهم العلوم الشرعية والتاريخ الإسلامي لا من اقتصر تعلّمُه على المؤسسات الموروثة كالشيوخ والمساجد والكتاتيب ولا من تعلم فقط في المدارس الأكاديمية سواء كانت غربية أو شرقية بل لا بدّ للدارس للعلوم الشرعية والتراث الإسلامي أن يجمع بين المدرستين ويهضم أصولهما من مصادرهما الأصلية أو أن قراءته ستكون قاصرة وفهمه مشوبا بالضرورة، وكل سهام النقد الموجهة إلى الجابري سببها أنه لم ينشأ في الكتاتيب وتقصيره في العلوم اللغوية رغم هضمه لعلوم العقلية وقدراته التحليلية الفذة.

فهذان الأستاذان الراحلان يمتازان على سواهما من أبناء المسلمين ممن يحاولون الكتابة في التراث الإسلامي بوسائل عقلية وتحليلية "عالمية" [أو غربية أو مستوردة أو علمية حديثة] بأنهما قد أتقنا الوسائل العقلية للمعالجة وإن كان لقصورهما في الجزئيات أثر في كثير مما تناولاه، لكن يحسُن أن نعرف نقطة تميزهما وهذا ما أردت بيانه فقط، لمناسبة العزاء والرحيل.

فأركون لصدقه ونزاهته قال أنا أؤيد جميع الطموحات السياسية للحركات الإسلامية المعاصرة، رغم انتقاده لطرائقها في التفكير. وحين تحدث عن العالم الإسلامي قال إن عليه بعد أن يتخلص من إسرائيل أن يراجع أدوات فهمه ووسائل تعليمه،

فلاحظ أنه يعد الخلاص من إسرائيل أمرا حتميا وأشبه بالواجب التاريخي!!

وإن من اجبنا الأخلاقي والعلمي أن نتكلم وندون ما نعتقد بوعينا - على نسبيته وقصوره- أنه الأفضل.

وختاماً أقول أسأل الله أن يهيء للأمة الإسلامية من يزيح عنها غبار الفساد الفكري وأن يعيد الأمة إلى سالف أمجاد سلفها الصالح، وأن يهيء مَن يقرأ كتب الجابري وأركون ... إلخ فيحكم بالعدل وينقدها بإنصاف.

آمين

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير