حين وصفت أركون بأنه عالم جليل صار كثير من الإخوة في حالة اندهاش حتى قال بعضهم في نفسه هل جُنّ الرجل؟
وحملتهم قوتهم الأخلاقية على التماس العذر لصاحبهم حتى سامحه بعضهم على مضض وسكت آخرون على كظم.
وتذكر آخرون أني - العبد الضعيف- قد وصفت هذا الرجل هو والراحل الجابري وعبدالله العروي ذات يوم في هذا المنتدى بأن (هذا النوع من الأساتذة يمتازون بحذق الكليات وقصور في فهم الجزئيات). فكيف أصفه الآن بأنه عالم جليل؟
فربحت نصائح أسأل الله أن يعينني على الأخذ بأحسنها وهذا النقاش الذي نرجو الله أن يكون مفيداً.
ولما كنا في عصر ما بعد غاليلو، [أو عصر العلم التجريبي منذ 400 سنة] وأن استخدام الآلات في تكبير الحواس وتوسعتها قد وسع من العقل نفسه (مزيد من الأشياء يعني مزيد من العلاقات والعقل هو فعالية إدراك العلاقات بين الأشياء) قاد ذلك إلى فهم جديد للكليات والجزئيات في الطبيعة.
لكن في علم الشريعة تكون الجزئيات هي المفردات اللغوية والعبارات بالإضافة إلى النصوص المفردة من أحاديث وآثار.
أما الكليات فهي الأفكار الكبرى والعلاقات بين الظواهر.
ولكل عصر مستوى معين من إراك للكليات (بارادايم) تتغير بتغير وتطور وسائل الرصد المكبرة للحواس.
على سبيل المثال مفهومنا المعاصر للزمن واختلافه عن مفهوم الناس يبين الفرق بيننا وبينهم في إدراك الكليات
في الثقافة الإسْلامية لا يوجد تحديد للبعد الزمني وإن كان العلماء قد تأثروا بالتأكيد بالبعد المعروف شعبياً. قال ابن حزم:" وأما اختلاف الناس في التاريخ فإن اليهود يقولون للدنيا أربعة آلاف سنة والنصارى يقولون للدنيا خمسة آلاف سنة وأما نحن فلا نقطع على عدد معروف عندنا ومن ادعى في ذلك سبعة آلاف سنة أو أكثر أو أقل فقد كذب" (الفِصَل في الملل والأهواء والنِّحل 2/ 105).
وقد جلب تطور الآلة لحواس الإنسان، وهي مصادر بيانات العقل، تطوراً كبيرا فقربت البعيد وكبرت الصغير حيث وضع ازدهار العلوم الطبيعية أدوات جديدة في يد المؤرخ " ففي عام 1949 تم صنع آلة حاسبة لقياس الكاربون ذي إشعاع الراديوم الذي يوجد في مواد حيوانية ونباتية يرجع تاريخها إلى (25000) سنة وفي عام 1953 أكمل في جامعتي مانتوبا وشيكاغو عمل نوعين من الأجهزة لحساب الأجزاء يحدد بهما التاريخ في فترة (45000) سنة " ([1] ( http://tafsir.net/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=119476#_ftn1)) ولسنا نريد استعراض تاريخ العلوم الذي يمكن الرجوع فيه إلى موسوعة علمية ولكن ما يهمنا هنا هو البعد الزمني للعقل. فلم يكن الناس قبل القرنين الأخيرين يدركون البعد الزمني للعقل الراهن
ولا يزال للتصور القديم للزمن تأثير على عقولنا رغم اكتشافنا لطول هذا البعد "فعقولنا لم تتهيأ للتعامل السهل مع أحقاب من الزمن تبلغ مئات وآلافاً من السنين" (2] ( http://tafsir.net/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=119476#_ftn5)) إن البعد الزمني للعقل المعاصر ضخم جداً يفوق قدرة إدراكنا المباشر " فلو عادلنا عمر الأرض بأسبوع واحد، عندئذٍ يصبح عمر الكون منذ نشأته نحو أسبوعين أو ثلاثة، وتكون أقدم الحفريات التي تستطيع العين المجردة رؤيتها قد ظهرت على مسرح الحياة منذ يوم واحد فقط أما الإنسان الحديث فيظهر في الثواني العشر الأخيرة. على حين تظهر الزراعة في الثانية أو الثانيتين الأخيرتين، أما بطل الأوديسا فقد كان يحيا على الأرض منذ نصف ثانية فقط" ([3] ( http://tafsir.net/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=119476#_ftn6)). أما عن الحدود الدنيا للزمن فإننا لن نهتم كثيراً بزمن يقل عن البيكو ثانية (جزء واحد من مليون مليون جزء من الثانية) ولو أننا نعرف أن أزمنة أقصر من هذا كثيراً تحدث في التفاعلات النووية وفي الدراسات على الجسيمات تحت النووية وهذه الفترة الضئيلة هي المقياس الزمني الذي تقاس به ذبذبة الجزيئات. ([4] ( http://tafsir.net/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=119476#_ftn7)).
¥