تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

وهذا البعد الزمني على ضخامته، بالقياس إلى البعد القديم هو غير كافٍ من وجهة نظر بيرس لقيام العقل ولذلك يعده دليلا على وجود الله، فـ " التفسير الوحيد والكامل لتكيُّف أجزاء العالم بعضها مع بعض وللتكيف القائم بين العقل والعالم هو أن (عقلاً) مطلقاً قد تولى عملية خلق الأشياء وتطورها، إذ أن فرض التطور يؤيد ذلك، لأنه لم يكن هناك الوقت الكافي الذي يسمح بالتطور العشوائي غير الموجه من العماء إلى النظام الحاضر" ([5] ( http://tafsir.net/vb/newreply.php?do=newreply&noquote=1&p=119476#_ftn8)).

فالأساتذة القارئون في تاريخ العلم أكثر فهما للكليات من الذين لا يقرءون، ولما كان القرآن الكريم قد خاطبنا بناء على قوانين موحدة للعقل البشري وعلمنا أن نقول للكافرين (هاتوا برهانكم) مما هو معروف من العقل بالضرورة كانت أبعاد العقل ومقولاته من الزمان والمكان وغيرها مما هو مشترك بين كل ممارس للعقل سواء كان شيخا في مسجد أو دكتورا في جامعة.

لكن الجزئيات في العلوم الشرعية والإسلامية هي مدخل ضرورة وإن كان غير كاف لأن الإنسان المعاصر يريد من يخاطبه مراعيا الكليات المعاصرة التي تعرضها السينما والأفلام العلمية والموسوعات والنت.

وهذا أمر نسبي حتى بين المتعاصرين والمنتمين إلى نفس البارادايم.

فابن حزم وابن تيمية والشاطبي مدركون للكليات وقوانين العقل في عصرهم ومتقنون للجزئيات ومن هنا تميزهم على المتقنين للجزئيات فقط كابن حجر العسقلاني والنووي، فالأولون بإمكانهم أن يفهموا الفلاسفة ويردوا عليهم ويبينوا تهافتهم بحجج عقلية كلية على حين أن الثانين ليس بإمكانهم ذلك.

ولأن المدارس الموروثة (الشيوخ والمساجد والكتاتيب) قد قصّرت في العلوم العقلية جاءنا هؤلاء الدكاترة ولا سيما الجابري (على ضعف بضاعتهم في الجزئيات مقارنة بالشيوخ ونبهاء طلبة العلوم الشرعية) فقدموا ما ليس كافيا ولكن ما هو ضرورة أن يبين ويضاء. فشيوخ المساجد يتبنون مواقف من تتلمذوا على كتبهم، يرفضون خصومهم من الخارج دون حتى افتراض لحسن النية، وهذا الموقف لم يعد يقنعنا كما كان يفعل من قبل.

فبعد مسيرة 30 سنة وتأثر بالتيارين وقد نشأت في وسط سني لم أعد أختلف مع المعتزلة إلا في مسألة واحدة، وألومهم على أمور أعدها طفيفة، على حين أعدهم جزءا لا يتجزأ من الأمة وأحترم شيوخهم ومجتهديهم وأتفهَّم دوافعهم الثقافية والعقلية. لم يعد من الممكن الحكم على مدرسة فكرية إسلامية استمرت 3 قرون في حيويتها بكلمة واحدة أو شطبها بجرة قلم. لا يمكن حتى أن نساوي بين واصل بن عطاء أو عمرو بن عبيد وبين أبي الهذيل أو أبي هاشم. لا يجوز إلا أن نتعامل مع كل عالم مسلم أو مثقف أو متكلم أو أديب إلا على أنه فرد يمثل نفسه. وهذا وإن كان يتطلب منا جميعا نشاطا وقراءة كل شخص من مؤلفاته قبل أن نحكم عليه وأن نرجئ الحكم إلى إشعار آخر إن لم نقرأه بدلا من أن نثق فوق اللازم بآراء الآخرين عنهم إلا أني أعتقد أنه هو وحده الصواب.

ما أردت أن أطرحه ليس تزكية أركون أو تجريحه لأنه قد أفضى إلى ما قدم ولكن إلى بيان أننا كمسلمين وكطلبة للعلوم الشرعية وكشعوب تواجه الحياة لا بد لنا من علوم عقلية لأن العقل البشري واحد.

وأعترف أني لم أفهم من أركون ما فهمه الأخ طارق منينة منه، فلم أفهم منه تفنيد الدين بل إخضاعه للعقل دون حدود وهذا على خطورته لا يحملني على الجزم بكفره، أو ضلاله عن عمد، ونحن نعوذ بالله مما عاذ به عمرو بن فهيرة فيما رواه عنه الجاحظ، اللهم إني أعوذ بك من طول الغفلة وإفراط الفطنة. وربما عنى رحمه الله بإفراط الفطنة ما تجرأ على مثله أركون بسبب تلمذته على فلاسفة ما بعد الحداثة في فرنسا أو كل استخدام للعقل دون قيود أو كل تجاهل لأبعاد أخرى في الإنسان لا يدركها العقل التجريبي المادي الذي هو في النهاية يساوي صفراً، وأما دعائي له بالمغفرة فأنا أدعو لكل من أحسبه مات على الإسلام وهذا شأني وديدني فلا يُستغرب أن أترحم على إبراهيم بن سيار النظام رغم ما نقله عنه ابن قتيبةوغيره عنه من ضلالات. وعلى أبي العلاء المعري رغم ما لديه من شك في الرسالات في بعض أحيانه لأنا لا نعرف على ماذا مات الناس ولأنا نرجو لكل مسلم الغفران والعفو من الله تعالى.

لا شك أن التطرف العقلي هو ضد الدين لأنه إخلاد إلى الأرض وتجاهل أو نسيان لغائية الحياة والوجود الذي خلقه الله تعالى لغرض معين معروف لكل مؤمن، وهؤلاء الذين يرجئون الحديث عن المقصد والغاية بحجة أنها ليست من اختصاص العقل نفيا أو إثباتا يغامرون مغامرة كبرى لا نجرؤ نحن عليها لأننا نخشى الموت في كل لحظة ونخشى إن نحن وضعنا الإيمان بالغاية بين قوسين من أجل الفهم [افتراضا لحسن النية فيهم] أن نموت في هذه المدة الوجيزة، ونخسر خسرانا مبينا.

لا لا نحن لا نجرؤ على ما تجرأ عليه أركون أن نرجئ التفكير في الغاية إلى أجل غير مسمى أو حتى في لحظة التفكير إرجاء متعمدا.

ولكن لعل من الإنصاف والحق أن نقول إن هذين الأستاذين الراحلين هما من أكثر الأساتذة إتقانا للأدوات الحديثة في فهم النصوص بعقلية معاصرة،وعلى حد علمي واطلاعي فإنهما متميزان في هذا الجانب. وكان الجابري إذا سئل عن مشروع أركون يقدم جوابا أخلاقيا مقتضبا حيث يقول إن موضوعه أوسع من موضوعي، وهي عبارة تحتمل نبزه بالتشتت واختيار موضوع فوق قدرة العقل أن يلجه!

([1]) التاريخ الماضي المتغير، لين وايت (ضمن موسوعة آفاق المعرفة) ترجمة د. صدقي حمدي، ص26.

(2]) طبيعة الحياة، فرنسيس كريك، ترجمة د. أحمد مستجير، عالم المعرفة، كويت، ص11.

(3]) م ن، ص19 - 20.

([4]) م ن، ص27.

([5]) الموسوعة الفلسفية المختصرة، ص105.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير