وذلك هو قوله تعالى: [سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ]
وجه الدلالة في الآية على عذاب القبر:
هذه الآية صرحت بتعذيب الله المنافقين في مراحل ثلاث، اثنتان مذكورتان في قوله [سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ] والثالثة في قوله: [ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ] ولما كانت هذه الثالثة معلومًا منها على جهة اليقين، أنها الكائنة يوم القيامة لأنها آخر المراحل، كما يدل على ذلك التعبير بـ "ثم" الدالة على الترتيب والتراخي، ولأن العذاب فيها قد وصف بأنه "عظيم" وعادة القرآن ألا يوصف بهذا إلا عذاب الآخرة، فقد بقي مرحلتان هما سابقتان على هذه الأخيرة، وليس ذلك إلا:
1 - العذاب في الدنيا
2 - العذاب في القبر أي في البرزخ.
وليس أصرح من هذا قي الإخبار عن عذاب القبر.
الدليل الرابع - قال تعالى:
[يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء] (سورة إبراهيم: 27)
المعنى الإجمالي:
تخبر هذه الآية الكريمة بأن الله عز وجل يعين عباده الصالحين ويثبتهم بالقول الحق في الدنيا، إن عرض لهم ما يعمل على زحزحتم عنه، ويعينهم ويثبتهم به في القبر أيضا، عندما يسأله الملكان: من ربك؟ وما دينك؟ ومن الرجل الذي بعث فيكم؟
وقد أخرج في ذلك مسلم في صحيحه، بسنده المتصل عن البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: " يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت " قال: " نزلت في عذاب القبر، فيقال له: من ربك؟ فيقول: ربي الله، ونبيي محمد صلى الله عليه وسلم، فذلك قوله عز وجل: [يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وفي الآخرة] " ([4] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=17#_edn4))
وإنما نسبت الحياة في القبر هنا إلى الدار الآخرة مع أنها ليست منها، لكونها مرحلة مؤدية إليها، وخطوة في طريق السير إليها.
ومثل هذا يقال أيضا في معنى حديث " إن القبر أول منازل الآخرة" ([5] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=17#_edn5))
وإذا كان الله عز وجل يمُِد عباده الصالحين بمدد من عنده، يعينهم على الثبات عند المحن في الدنيا، وعند السؤال في القبر، فإن الظالمين لا معين لهم ولا نصير، ومن ثم فهم لا يثبتون على الحق كالمؤمنين، بل يضلهم الله عنه، لضلالهم عن ربهم في دار العمل.
وجه الدلالة في الآية على عذاب القبر:
تصرح هذه الآية بأن الله عز وجل يثبت المؤمنين بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وكذلك في الآخرة أي في القبر الذي هو الخطوة الأولى في الطريق إلى الآخرة، ولما كانت الدار الآخرة دار جزاء وليست دار سؤال ولا تثبيت، وكانت السنة الصحيحة قد دلت على أن السؤال والتثبيت إنما هو في القبر، فقد لزم القول بأن المراد بالآخرة هنا الحياة في القبر، وأن التثبيت فيها هو التثبيت عند سؤال الملكين، وما يتبع ذلك من نعيم الاطمئنان إلى رضوان الله.
وفي مقابل ذلك، فإن إضلال الظالمين، هو زيغهم عن الحق في الدنيا وفي القبر، فلا ينجون من فتنة السؤال، فيلحقهم ما هم أهله من سوء ما ينتظرهم من عذاب الله يوم القيامة، إضافة إلى ما تقوم به ملائكة العذاب من ضرب وجوههم وأدبارهم عند موتهم وبعده، كما صرحت بذلك آيات أخرى، قد ذكرناها في مواضعها من هذا البحث.
الدليل الخامس - قال تعالى:
[وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى 124 قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا 125 قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى 126 وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى 127] (سورة طه: 124 - 127)
المعنى الإجمالي:
¥