ولذلك جاء في السنة الصحيحة أن هذا العرض عام لكل الخلائق، حيث أخرج البخاري في معنى قوله تعالى (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) بسنده المتصل، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن أحدكم إذا مات عُرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيُقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة". ([11] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=17#_edn11))
الدليل الثامن - قال تعالى:
[إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ] (سورة فصلت: 30)
المعنى الإجمالي:
ورد عن بعض السلف أن تنزل الملائكة عليهم بالطمأنينة والبشرى عند الموت، وورد عن بعضهم أنه في الآخرة ([12] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=17#_edn12))
والذي يترجح لدينا هو أن ذلك عند الموت، لأنه في يوم القيامة يكون الحساب الأكبر، والقول الفصل الذي ليس بالهزل، فلا مجال لتمهيد ببشرى، فالحكم الحاسم قد جاء موعده.
وجه الدلالة في الآية على نعيم القبر وعذابه:
أن الملائكة إذا كانت مطمئنة للمؤمنين بشيء عند الموت، فلا شك أن محل هذه الطمأنينة كائن بعد الموت مباشرة وهو نعيم القبر، وإذا ثبت أن للصالحين في القبر نعيما، فقد ثبت ضده وهو أن لغيرهم عذابا في قبورهم.
الدليل التاسع - قال تعالى:
[مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَنصَارًا]
(سورة نوح: 25)
المعنى الإجمالي:
في هذه الآية الكريمة يخبر الله تعالى عن قوم نوح عليه السلام أنهم لما كفروا بالله تعالى، وأجرموا في حق نبيه نوح عليه السلام، عاقبهم الله تعلى بالإغراق في الطوفان، ويخبر أنهم فور إغراقهم فيه أدخلوا نارا، حيث لم يجدوا من ينصرهم من الله فينجيهم من عذابه.
ولعله أراد بالإدخال هنا عرضَهم على النار المعبرَ به في حق آل فرعون في قوله تعالى: [النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ] (سورة غافر: 46)
وهو ما ذكره المفسرون احتمالا ([13] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=17#_edn13))، وهو رأي وجيه مبني على ظاهرة تفسير نصوص القرآن بعضها ببعض، وهي أفضل طرق التفسير كما نص على ذلك العلماء.
وجه الدلالة في الآية على عذاب القبر:
هذه الآية من أوفر الآيات صراحة في الدلالة على عذاب القبر، لأنه قوله [فَأُدْخِلُوا نَارًا] مرتب على قوله [أُغْرِقُوا] عطفا بالفاء المفيدة للترتيب والتعقيب، وهذا معناه أن هذا التعذيب بالنار هو كائن بعد الإغراق مباشرة.
ولما كانت آيات القرآن جازمة بأن دخول الكافرين النار هو كائن يوم القيامة، وكانت آياته أيضا دالة على وقوع العرض على النار في القبر لآل فرعون بالنص على ذلك، ولغيرهم أيضا بطريق القياس، كان تفسير الإدخال في النار بالعرض عليها مناسبا ومنسجما مع منطق القرآن في تعبيره عن عذاب القبر.
وحينئذٍ تكون علة التعبير عن العرض بالإدخال، هو تحقق الوقوع، فأخبار الله تعالى لا تتخلف.
[1] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=17#_ednref1) - ينظر كتاب عذاب القبر والثعبان الأقرع أحمد صبحي منصور ص 11 وما بعدها
[2] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=17#_ednref2) - ينظر تفسير روح المعاني للآلوسي
[3] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=17#_ednref3) - قال الآلوسي: [اليوم] المراد به مطلق الزمان لا المتعارف، وهو إما حين الموت أو ما يشمله وما بعده.
[4] ( http://www.tafsir.net/vb/newthread.php?do=newthread&f=17#_ednref4) - صحيح مسلم - كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها - باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه - حديث: 5226
¥