إنه لاغرابة أن يخرج من يدافع عن ذلك القرار , والسبب ببساطة أن الباطل في صراع مع الحق إلى قيام الساعة , فكيف وللباطل اليوم من وسائل التعبير مالايخفى , ولست هنا مستكثراً أن يخرج أولئك الأوباش , بل أنا على ثقة لايخالطها شكٌّ أنهم لو لم يخرجوا , ويعلو هريرهم , لكان فيما قاله المصلحون والأغيار من التهافت ماجعل قالة السوء يوافقونهم عليه , لكني أردت أن أصل إلى ضرورة يحتاج كل واحد منا إلى الإحاطة بها , وهي أن من خرج أو سيخرج مدافعاً عن تعطيل حلقات تحفيظ القرآن الكريم , أو تخطئة من كتبوا مستنكرين مستهجنين تلك الخطوة غير الموفقة , والبادرة الجريئة , لا تخلو حالهم من أمور:
1 – منافق عليم اللسان , أو عَيِيُّهُ , ولكنه شرق بمخرجات تلك الحلق , وكره ما هي عليه , وتمنى زوالها , ولهذا فقد فرح بهذه الإجراءات , ورأى فيها فرصة لتعطيل تلك الجهود المباركة , خاصة أن قرار السعودة مما يستحيل تطبيقه بهذه العجالة , ودعوى أنه تم الاتفاق مع إدارة التربية للإسهام في إيجاد حلول عملية , وأن الأمر جارٍ على تحقيق ذلك , قد ثبت عجزها , وذلك لأنه من بين كل 300 شخص لم يقبل إلا خمسة أشخاص , بمعنى أن من أعلن عن نية توظيفهم وعددهم 1070 لن يوافق منهم إلا نحو عشرين معلما , والأمر ليس كما يتصوره السرعان من الناس , أو أن سعودة هذه الأعمال كسعودة سائر المهن , فتعليم القرآن يحتاج إلى متقنٍ يتمتع بخصائص وإمكانات ليس من السهل توفرها في كل أحد , ثم إن مهنة التدريس ليست من المهن التي يسهل إجادتها في أوقات عابرة , أو خلال دورات مبسطة , ففي الحلق , خاصة مايقع في الحرمين الشريفين , مالايقدر عليه إلا الندرة من الرجال , لما تشتمل عليه من القراءات وعلمها الدقيق.
ومما يدلل على نفاق هؤلاء حشدهم الثناء على مناشط لايخفى على فاضل نكارتها وفسادها , وأنها لاتخدم إلا الفكر المنحرف , ويقف خلف ذلك الثناء مبرر الانعتاق بالمجتمع من الظلامية والتقوقع , التي ينسبونها عادة إلى دين الإسلام , وهذا حين تجعله أمام تعطيل حلقات تعليم كتاب الله , وحجم فرحتهم بما اتخذ من إجراء لأجلها , مع ما يصاحبهم من حسرة وغيظ حين تمنع بعض المحرمات في الشريعة , فإنك لاتجد نفسك إلا أمام نتيجة النفاق , التي يخفونها تحت نحلة الليبرالية النتنة.
والقصد أن فرح أولئك المنافقين بقرار السعودة ليقينهم أن ذلك سيساهم في إطالة أمد فرحتهم بتوقف حلقات التحفيظ عن رعاية الناشئة , مما يمنحهم فرصة الانفلات , والركض وراء المغريات.
2 – متمصلح يبحث عن طمع مادي , أو وجاهة دنيوية , ولذلك فهو يجعل من المناقب رعاية كتاب الله , ودفاعُه جاء منصبَّاً عن أشخاص , وذلك ليروه فيقرِّبوه أو يمنحوه , وتعلَّق لنصرة باطله بالشائعات الكاذبة , واحتمى خلف ستار الأغاليط والمخادعات , ومعلوم أن كلَّ من كتب من أهل الخير والغيرة , يعلمون أن من أولى الأولويات عند قادة هذه البلاد خدمة كتاب الله طباعة وتحفيظاً وتعليماً , ورأوا في قرار السعودة مناهضة لتلك الجهود المبذولة , وتعطيلاً لمسيرتها , ورأوا في الحلول المقترحة عجزاً عن الوفاء بالسرعة التي قد يتصورها بعض الناس , ولهذا فهم يطالبون بالعدول عنه , وإن كان المسؤول يرى أنه لابد منه فيمكن أن يكون تدريجيَّا , وعلى مراحل يمكن تطبيقها , أما أن يتم الإلزام به على وجه السرعة فهذا مما يستحيل تطبيقه , ومما يستحيل معه إيجاد البدائل ولو بربع النفع والجدوى , وليس هذا عجزاً في إمكانيات أبناء هذه البلاد , ولكن للظروف وغلاء المعيشة وغيرها من الأسباب مايبرر استحالة إيجاد البديل , إلا أن يخصص لمدرسي الحلقات من الحوافز ما يجعلهم يتفرغون تفرغاً تامَّاً لها.
¥