تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

قال الإسنوي (ت:772هـ): (واعلم أن المصنف –رحمه الله- أخذ كتابه من الحاصل للفاضل تاج الدين الأرموي، والحاصل أخذه مصنفه من المحصول للإمام فخر الدين، والمحصول استمداده من كتابين لا يكاد يخرج عنهما غالباً أحدهما المستصفى لحجة الإسلام الغزالي، والثاني المعتمد لأبي الحسين البصري، حتى رأيته ينقل منهما الصفحة أو قريباً منها بلفظها، وسببه –على ما قيل- أنه كان يحفظهما، فاعتمدت في شرحي لهذا الكتاب مراجعة هذه الأصول) ([18]).

هذا النصّ يدلك على كثرة النقل لديهم، والعيب في ذلك ليس في مجرد النقل، وإنما في النسخ المتطابق من غير إضافة ولا تحرير، وهذا أثر كبير من آثار التقليد الذي بلينا به.

قال الشوكاني (ت:1250هـ): (- بعد ذكره لأهمية علم الأصول – وكانت مسائله المقررة، وقواعده المحررة تؤخذ مسلمةً عند كثير من الناظرين، كما تراه في مباحث الباحثين، وتصانيف المصنفين، فإن أحدهم إذا استشهد لما قاله بكلمة من كلام أهل الأصول أذعن لها المنازعون، وإن كانوا من الفحول، لاعتقادهم أن مسائل هذا الفن قواعد مؤسسةٌ على الحق الحقيق بالقبول، مربوطة بأدلةٍ علمية من المعقول والمنقول، تقصر عن القَدحِ في شيءٍ منها أيدي الفحول، وإن تبالغت في الطول) ([19]).

بهذا نكون قد استوفينا بإيجاز التقرير الدال (نظريًّا وتطبيقيًّا) من خلال كتب الأصول على صدق هذا المفهوم الذي ذكرناه، كما قد بان لك من خلال النقول السابقة حاجة هذا العلم إلى التجديد والمراجعة في كثير من مواده، ولا سيما التي تضمنها هذا المعنى وهو: هو إبراز القواعد الأصولية للمستفيد، وتأصيلها بالأدلة الشرعية، وتصفيتها من كلّ ما علق بها مما ليس منها، وكل ما اتصل بها ولم يثمر فرعا.

الخلاصة: أن علم الأصول من أحوج العلوم إلى التجديد وتنقيته والنهوض به وتحرير مسائله، وأسباب ذلك لا تخفى على الممارسين له كما سيأتي. ولعل هذا ما جعل بعض الأيدي تتناوله بحق، أو تتطاول عليه بلا حق. والدراسات التي تناولت موضوع التجديد في الأصول، تختلف باختلاف أصحابها وتوجهاتهم ومقاصدهم، ورد دعوى التجديد بالكلية ليس سديداً، فقد يصدق الكذوب، ويجود البخيل، غير أنها قد ترشدك وتنبهك على مواطن الخلل أحيانا، فخذ منها ودع، والحكمة ضالة المؤمن، وعليه لا بد أن تعلم أن الرد الجملي بلا تفصيل لا يستقيم.

مواقف الناس من التجديد:

تباينت مواقف العلماء والكُتَّاب في النظر إلى موضوع التجديد إلى طرفين ووسط:

الموقف الأول: مانعوا التجديد، وهم الذين يريدون أن يبقى كل قديم على قدمه وشعارهم المرفوع: ليس في الإمكان أبدع مما كان! يمثل هؤلاء بعض مقلدي المذاهب المتعصبين لها، والحرفيون الذين يقفون جامدين عند ظواهر النصوص ([20]).

أقول لهؤلاء: إن تراثنا بأمس الحاجة إلى التحقيق والغربلة، لتكثيف الفهم والتعقل، وتحري الاختيار والانتخاب، ومن ادعى غير ذلك فقد جنى على التراث أولاً، وعلى المتقدمين ثانياً؛ بالإدعاء لهم ما لم يدعوه لأنفسهم، ولا لمن سبقهم، وتعدى على المتأخرين ثالثاً؛ بوأد عقولهم في مهدها، والتشكيك في قدراتهم ومقاصدهم.

كما أن ركام الخلافيات التي تفاقم أمرها في كتب علم الأصول يحتاج إلى عقل مجدد لاستخلاص الراجح من بينه.

وأؤكد في هذا السياق على عدم صحة اعتبار أن الماضي دائماً أفضل حالاً من الحاضر، والقادم أسوأ من الحاضر. فمجمل ما يتعلق به هؤلاء مردود من مقولات كَرَّست حالة الجمود والسكون والرهبة، والتقديس في التعامل مع التراث، وبالذات مع آراء واجتهادات العلماء السابقين، ورسَّخت حالة التقليد والتبعية، وأضعفت حالة الاجتهاد والتجديد ([21]).

"وأما الجانب النفسي – عند هؤلاء - فإن هناك لوناً من الخشية في الإقدام على تجديد كل ماله علاقة بالدين، حتى أن كلمة التجديد نفسها إذا وردت في معرض الحديث عن مسألة فقهية تقابل بالامتعاض خوفاً من أن تكون ذريعة للتحلل من أوامر الدين وشعائره شيئاً فشيئاً.

والانتصار على هذا الجانب النفسي يحتاج إلى شجاعة وثقة بالنفس، وإيمان بأن الإسلام الذي ارتضاه الله ديناً للناس كافة يحض على إعمال العقل، ومحاربة الجمود، والعمل الدءوب من أجل أن تسود كلمة الحق، وأن تكون لها صولة وقوة حتى لا تخنس أمام ضراوة الباطل وإعصار التقليد والجمود" ([22]).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير