عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ، فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَجَعَلَ بَيْنَ عيني كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ، ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ، فَقَالَ: أي رَبِّ، مَنْ هَؤُلاَءِ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ ذُرِّيَّتُكَ، فَرَأَى رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَعْجَبَهُ وَبِيصُ مَا بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَقَالَ: أي رَبِّ، مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ آخِرِ الأُمَمِ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ يُقَالُ لَهُ: دَاوُدُ ... » ([5]).
ومقام داود بين ذرية آدم هو بُعد واحد من أبعاد هذا المقام؛ ولكن لمقام داود في إطار قضية الدابة أبعادًا أخرى منها:
أن ذكر فضل داود بالنسبة للأنبياء جاء مرتبطًا بالزبور وهو كتاب الأقدار الكونية الغيبية حتى قيام الساعة، ودليل ذلك قول الله عز وجل: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [الإسراء: 55] وفيه يقول الطبري: «يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: وربك يا محمد أعلم بمن في السموات والأرض وما يصلحهم؛ فإنه هو خالقهم ورازقهم ومدبرهم، وهو أعلم بمن هو أهل للتوبة والرحمة ومن هو أهل للعذاب، أهدي للحقّ من سبق له مني الرحمة والسعادة، وأُضلّ من سبق له مني الشقاء والخذلان ... عن قتادة، قوله: {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} اتخذ الله إبراهيم خليلا وكلَّم موسى تكليمًا، وجعل الله عيسى كمثل آدم خلقه من تراب، ثم قال له كن فيكون، وهو عبد الله ورسوله، من كلمة الله وروحه، وآتى سليمان مُلكًا لا ينبغي لأحد من بعده، وآتى داود زبورًا، كنا نحدِّث دعاء عُلِّمه داود، تحميد وتمجيد، ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود، وغفر لمحمد ما تقدّم من ذنبه وما تأخَّر» ([6]).
ويقول الرازي في تفسيره: «فإن قيل: ما السبب في تخصيص داود عليه الصلاة والسلام في هذا المقام بالذكر؟ إن السبب في تخصيصه بالذكر أنه تعالى كتب في الزبور أن محمدًا خاتم النبيين وأن أمته خير الأمم» ([7]).
ويقول الألوسي: «وفيه إيذان بتفضيل نبينا صلى الله عليه وسلم؛ فإن كونه عليه الصلاة والسلام خاتم الأنبياء، وأمته خير الأمم- مما تضمنه الزبور، وقد أخبر سبحانه عن ذلك بقوله عز قائلًا: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِى الزبور مِن بَعْدِ الذكر أَنَّ الأرض يَرِثُهَا عِبَادِي الصالحون} [الأنبياء: 105] يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم» ([8])
وامتدادًا لمفهوم المقام الإنساني الذي يمثله الإنسان النموذج «داود» يأتي ذكر سليمان ليشاركه هذا المقام: ** وَلَقدْ آتَيْنَا دَاودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْمًَا وَقَالا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِنْ عِبَادِهِ اْلمُؤْمِنِيِنَ}.
ومن هنا جاء في نص حديث الدابة: «وخاتم سليمان بن داود عليهما السلام»، فذكر النبي صلى الله عليه وسلم داودَ مع سليمان.
فمكانة الإنسان الأصلية محفوظة، وذكر داود وسليمان هو الدليل على هذا المقام.
بل إن موقف الدابة -بعد خروجها مباشرة- من المؤمنين الثابتين هو تقرير المقام الأصلي للإنسان كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وثبتت عصابة من المؤمنين، وعرفوا أنهم لن يعجزوا الله، فبدأت بهم فجلّت وجوههم حتى جعلتها كأنها الكوكب الدري».
سليمان .. والدابة:
وكما بدأت قصة موسى بآية العصا ... بدأت قصة سليمان بتعلم منطق الطير.
فتبدأ بـ «الحقيقة الأولى» المتعلقة بعلامة الدابة التي ستنطق وتكلم الناس مثلما ينطق الطير:
{وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاودَ وَقَالَ يَأَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ * وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [16، 17].
ثم ذِكر «تكلم النملة»:
¥