{إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاء إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ * وَمَا أَنتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَن ضَلَالَتِهِمْ إِن تُسْمِعُ إِلَّا مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ * وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُون} [80 - 82].
ولكن مستوى الكفر والجحود الذي بلغه الناس الذين ستخرج الدابة عليهم كان قد بلغه من قبل أفواجٌ من الأمم السابقة كانوا أشد الناس فسادًا؛ فاقتضى عدل الله أن يتحدد موقفهم بمناسبة ذكر الدابة ..
{وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ} [83]
وقد اختصت الآية من كل أمة فوجًا باعتبارهم أشد الأقوام، كما قوله تعالى: {ثُمَّ لَنَنزعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيًّا} حيث قال قتادة: ثم لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤساءهم في الشرِّ.
تمامًا مثلما ذكرت السورة أشد الناس إفسادا مثل الرهط من قوم صالح، قال تعالى: {وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ} الذين قتلوا الناقة وحاولوا قتل صالح، فسيُسأل هؤلاء يوم القيامة:
{حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [84].
ولكنهم لن يستطيعوا الإجابة:
{وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ} [85].
ففي الوقت الذي ذكرت فيه السورة نطق «الطير والنمل والهدهد والدابة» .. أما هؤلاء {فهم لا ينطقون}.
{أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [86]
ومناسبة خروج الدابة بقوله تعالى: {والنهار مبصرا} هو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم: «إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها أو خروج الدابة على الناس ضحى» ([30])؛ لأن وقت الضحى هو وقت إبصار النهار لأنه وقت تمام الضياء؛ حيث ورد في تفسير قوله تعالى: {والنهار مبصرا} أي «منيرًا» ([31]) أو «مضيئًا» ([32]).
وبذلك يجتمع في الدابة صفة الإبصار في طبيعتها -وهي فصيل ناقة صالح-، التي جعلها الله مبصرة؛ فعن قتادة قال في تفسير قوله تعالى: {وآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً}: أي بيِّنة.
وكذلك وقت ظهورها في الضحي عندما يكون النهار مبصرًا.
ومن هنا كان الربط عند الطبري بين آية الناقة وآية النهار؛ حيث قال: «وإنما عنى بالمبصرة: المضيئة البينة التي من يراها كانوا أهل بصر بها، أنها لله حجة، كما قال تعالى: {والنَهارَ مُبْصِرًا}» ([33]).
** وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} [87].
والمناسبة بين هذه الآية والدابة هي «صيحات الدابة الثلاث» التي ستكون ما بين السماء والأرض .. ذلك أن الدابة سيكون لها صرخات بين الخافقين؛ أي بين السماء والأرض ..
وأن هذه الصرخات سيسمعها كل من بين السماء والأرض كما سيسمع من في السموات والأرض نفخة الصعق.
وهو قَول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَخْرُجُ الدَّابَّةُ، فَتَصْرُخُ ثَلاثَ صَرَخَاتٍ، فَيَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْخَافِقَيْنِ» ([34]).
وسيكون سمعًا قهريًّا؛ ذلك لأنهم لم يسمعوا للأنبياء والمرسلين من قبل!!
وقوله تعالى: {وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} أي صاغرين مطيعين، لا يتخلف أحد ([35]).
وهذا التفسير له علاقة بالدابة حيث سيكون الناس .. أمامها داخرين؛ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يدركها طالب ولا يعجزها هارب» ([36]). وكما قال: «وتخطم أنف الكافر بالخاتم».
¥