تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

{وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ * مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [88 - 90].

وهذه المجموعة من الآيات تناقش العلاقة بين الأرض وعمل الإنسان فيها؛ حيث تثبت العلاقة بين خلق الجبال وهي أوتاد الأرض من حيث حقيقتها المتحركة وصورتها الثابتة من خلال مرورها مر السحاب مما يدل على إتقان الله لكل شيء وبنفس هذا الإتقان يكون علم الله بما نفعل؛ ليتجانس خلق الجبال وعمل الإنسان من خلال هذا الإتقان .. لتتواصل الآيات التي تناقش قاعدة الحساب على عمل الإنسان بنفس الإتقان والعلم.

{إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [91].

وخروج الدابة «الخرجة الأخيرة» سيكون من مكة، وهو الخروج الأساسي لها.

ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدابة فقال: «لها ثلاث خرجات من الدهر، فتخرج في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية -يعني مكة-، ثم تكمن زمنا طويلا، ثم تخرج خرجة أخرى دون ذلك فيفشو ذكرها في البادية، ويدخل ذكرها القرية ... »

مما يدل على أن الخرجة الأساسية هي مكة، وأن ما قبل مكة هو تمهيد لها؛ ولذلك يذكر الحديث أن الخرجة الأولى في أقصى البادية ولا يدخل ذكرها القرية «مكة» والخرجة الثانية في البادية ويدخل ذكرها مكة، ثم الخروج في القرية ذاتها «مكة».

ولعلنا نلاحظ في قوله تعالى: ** رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا} ذكر حرمة البلدة «مكة»، والتي وردت تفصيلا في الحديث: «ثم بينما الناس في أعظم المساجد على الله حرمة -خيرها وأكرمها على الله- المسجد الحرام لم يرعهم إلا وهي ترغو بين الركن والمقام، تنفض رأسها عن التراب».

ومما يثبت دلالة الحرمة -الواردة في الآية والحديث- على المناسبة بين آيات السورة ..

هو ما يثبت غلبة هذه الحرمة على شدة العذاب الذي وقع بقوم ثمود بعد قتلهم الناقة ..

ذلك أن من بين قوم ثمود المستحقين للعذاب من كان في حرم مكة ولم يقع عليه العذاب إلا بعد خروجه منها ..

مما يؤكد أن شدة عذاب قوم ثمود لم تطغَ على حرمة مكة ..

وهي قصة أبي رغال التي رواها ابن إسحاق: «أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج إلى الطائف مر بقبر أبي رغال فقال: إن هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف، وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه، فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان، فدفن فيه».

وفي رواية: «كان في حرم الله، فمنعه حرم الله عذابَ الله، فلما خرج أصابه ما أصاب قومه»

وقيل: إن أبا رغال كان دليل أبرهة في طريقه لهدم الكعبة.

قال الحافظ ابن كثير: والجمع بينهما أن أبا رغال المتأخر وافق اسمه اسم جده الأعلى ورجمه الناس كما رجموا قبر الأول أيضا.

وفي كنز العمال: «لا تسألوا نبيكم الآيات، فقد سألها قوم صالح فكانت الناقة ترد من هذا الفج، وتصدر من هذا الفج: {فعتوا عن أمر ربهم فعقروها} فأخذتهم الصيحة، فأهمد الله من تحت أديم السماء منهم، إلا رجلا واحدا كان في حرم الله تعالى، قالوا: من هو يا رسول الله؟ قال: أبو رغال، فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه» ([37]).

وقد صحح محمد بن إسماعيل البخاري حديث سالم عن أبيه «أن رجلا من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر: لتراجعن نساءك أو لأرجمن قبرك كما رجم قبر أبي رغال».

كما أننا نلاحظ أيضًا أن خروج الدابة من مكة وهي -كما ورد في الحديث-: «أعظم المساجد على الله حرمة، خيرها وأكرمها على الله» يكون على النقيض من خرجتها الأولى من سدوم قرية لوط أشر الأماكن؛ ليكون خروج الدابة من جميع الأرض خيرها وشرها.

الدابة تصور عام

إذا أردنا فهم الحكمة من خروج الدابة لا بد لنا من فهم العلاقة بين الأرض .. وعمل الإنسان:

من حيث الخلق .. من حيث الأثر .. من حيث الختم والشهادة ..

أما من حيث الخلق: فقد حدد الله سبحانه هذه العلاقة بقوله عز وجل:

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير